رئيس التحرير
عصام كامل

ابن عربى هل تزندق؟.. اختلف العلماء حوله من ناقم عليه مٌكفٍره إلى داع إليه مٌحدثِ بفضائله.. شيخ الأزهر حصل على الدكتوراه في «الشيخ الأكبر».. «٣ نظريات» أغرت كارهيه بتكفيره

الشيخ محي الدين بن
الشيخ محي الدين بن عربى

قرون طويلة مرت من تاريخ المجتمع الإسلامى، وما زال الجدل مثار حول فكر ومنهج سلطان العارفين الشيخ محيى الدين بن عربى ما بين مكانته في الطريق الصوفى والتي لم يبلغها غيره في تاريخ الإسلام واتهامه بالكفر والإلحاد والزندقة.

و«ابن عربى» هو محيى الدين أبو بكر محمد بن على بن محمد الحاتمى الطائى المرسي، المعروف بالشيخ الأكبر؛ والمولود في مرسية في الأندلس سنة 560 هجرية والمتوفى سنة 638 هجرية بدمشق ودفن بسفح جبل قاسيون، وما بين المولد والوفاة،عاش ابن عربى حياة مملوءة بالأحداث وخاض دروبا لا حد لها، فتعددت رحلاته من الأندلس إلى بلاد الشام.

تنوعت تأليفاته ومصنفاته، من الرسائل القصار إلى المدونات الصوفية المشتملة على عشرات المجلدات،وتحيرت ألباب العلماء فيه من ناقم عليه مٌكفٍر له، إلى داع إليه مٌحدثِ بفضائله، وزخر التراث العربى بمجموعة متنوعة من المؤلفات، وضعها منتقدوه ومكفروه وفى المقابل كتب محبوه ومريدوه المؤلفات للدفاع عنه.

يرجع اتهام ابن عربى بالكفر بسبب أفكاره ومنهجه العقائدى، وخصوصا ثلاث نظريات هي: الحلول والاتحاد، والتثليث والولاية والنبوة، بالإضافة إلى بعض المؤلفات التي رأى البعض أنها كفر بين كالفتوحات المكية وكتاب فصوص الحكم.
ويقصد بنظرية «الحلول والاتحاد» أي أن الله تعالى يحل في المخلوقات ويتحد معها بحيث يصير الخالق والمخلوق شيئا واحدا، كما زعم عدد من علماء المسلمين ممن ألفوا فيه لتكفيره كبرهان الدين البقاعى، والقاضى تقى الدين على بن الكافى وأبوحيان محمد يوسف الأندلسى وعماد الدين أحمد إبراهيم الواسطى.

في تلك النظرية يرد ابن عربى نفسه في مؤلفه «الفتوحات المكية» في الباب 169 قائلا: «القديم لا يكون قط محلا للحوادث ولا يكون حالا في المحدث» و«من قال بالحلول فهو معلول فان القول بالحلول مرض لا يزول، وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد، كما أن القول بالحلول من أهل الجهل والفضول» ثم قال: «الحادث لا يخلو عن الحوادث ولو حل بالحادث القديم لصح قول أهل التجسيم، فالقديم لا يحل ولا يكون محلا».
ثم قال ابن عربى في الباب 314 من الفتوحات أيضا ولو صح أن يرقى الإنسان عن إنسانيته، والملك على ملكيته، ويتحد بخالقه لصح انقلاب الحقائق، وخرج الإله عن كونه إلهًا وصار الخلق حقا، وما وثق أحد بعلم، وصار المحال واجبا فلا سبيل إلى قلب الحقائق أبدا، ثم قال في الباب 559: «ما هو عين الحق ولا حل فيه الحق، إذ لو كان عين الحق أو حل فيه لما كان الله قديما ولا بديعا».

أما نظرية «التثليث» والتي عكست التقارب الشديد الذي كان بين أتباع الأديان في الأندلس،حيث استعار بفكرة التثليث المسيحى ثم أعاد فلسفتها وفقا لمذهبه الصوفى، فنجد ابن عربى في الجزء الرابع من الفتوحات المكية يقول: «ما كفر القائل بالثلاثة وإنما كفر بقوله إن الله ثالث ثلاثة، فلو قال ثالث اثنين لأصاب الحق» وكذلك قوله في الجزء الثالث من الفتوحات: «إن الأحد لا يكون عنه شيء البتة ولا يكون عن الإثنين شيء أصلًا، ما لم يكن ثالث يزوجهما، ويربط بعضهما ببعض، ويكون هو الجامع لهما، فحينئذ يتكون عنهما ما يتكون بحسب ما يكون هذان الاثنان عليه، فيسرى التثليث في جميع الأمور لوجوده في الأصل» وأيضا «فلا يكون أمر إلا عن أمرين، ولا نتيجة إلا عن مقدمتين»
وفى محاولة لفهم أفكار التثليث عند ابن عربى بعيدًا عن مؤثرات العقيدة المسيحية، ذكرت الباحثة سعاد عبدالحكيم في كتابها «المعجم الصوفى الحكمة في الكلمة» قائلة: إن فكرة التثليث عند ابن عربى يجب أن تفهم في إطار نظرية وحدة الوجود، وكذلك نظرية العدد الميتافيزيقية، التي تعود إلى مؤثرات الفلسفة اليونانية، فنسب فكرة التثليث عنده لمؤثرات الفكر المسيحي، إنما يعكس نظرة سطحية لفهم مؤلفاته.

وإذا انتقلنا إلى «الولاية والنبوة» ظل الشيخ الأكبر ابن عربى ينوع ترنيمات الولاية والنبوة في مختلف مؤلفاته، فقد وجد الدكتور حامد طاهر دراسة موجزة وتحقيقًا لرسالة فريدةٍ لابن عربى، ضمن مجموعة رسائل خطِّية محفوظة تحت رقم 941/ حليم بالخزانة الأزهرية، والتي تشمل على نظرية بالغة الأهمية مفادها: أن إلهام الله لعباده لا ينقطع بانقطاع الرسالات السماوية والكتب السماوية، ولذا فإن هذه الكتب: لم تقتصر على كتابٍ واحد، ويقول ابن عربى« أما رأيتَ التوراة والإنجيل والصحف والتنزيل، أما كان يكفى كتابٌ واحدٌ من أولئك ؟ فكذلك إلهامه، سبحانه، لأوليائه».

ويستدل ابن عربى على صدق دعوته بالأدلة الشرعية، فيورد الحديث الشريف: العلماء ورثة الأنبياء، والآية القرآنية {يَرْفَعِ اللهُ الذينَ آمنوُا مِنْكُمْ والذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ} والوقائع المشهورة في قصة موسى والعبد الصالح (الخضر) أن قال للنبى المرسل: موسى {لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ علَى مَا لَمْ تُحِطْ بِه خُبرًا}. منطلقا من هذا إلى أوجه (الشبه) بين النبى والصوفى، بقوله: وأجمع المتصوفة، أهل الحقائق، وشيخنا صاحب مسألتنا معهم، أن آخر قـدمٍ يضعه الولى هو أول قدم يضعه النبى، فبداياتُ الأنبياء نهاياتُ الصدِّيقين والأولياء)
والولاية هنا دائرة تشمل دائرة النبوة، بمعنى أن كل نبى لا بد وأن يكونَ وليا، ولا يشترط في الولى أن يكون نبيا، وإنما هو داخل مع النبى في دائرة الولاية الكبرى. فالولاية وبحسب تعبير الشيخ الأكبر: هي الفلك المحيط الجامع للكل (الأنبياء والأولياء) فهم وإن اجتمعوا في منصب الولاية، فالولاة لهم مراتب)، وعن اجتماع الأولياء مع الأنبياء في دائرة الولاية، التي هي مقام القربة من الله، يقول ابن عربى في كتاب القربة:

«انظروا إلى حظ الورثة من هذه الرسالة في قوله عليه السلام: العلماء ورثة الأنبياء. وقوله تعالى {وأَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبَادِىَ الصَّالحِوُن} فلهم الحكم فيها. وإذا سمعتم لفظة من عارفٍ محقق، مبهمةً، وهو أن يقول: الولاية هي النبوة الكبرى والولى العارفً مرتبته فوق مرتبة الرسول فاعلم أنه لاعتبار الأشخاص من حيث ما هو إنسان، فلا فضل ولا شرف في الجنس بالحكم الذاتى وإنما يقع التفاضل بالمراتب؛ فالأنبياء صلوات الله عليهم ما فضلوا الخلق إلا بالمراتب، فالنبى له مرتبة الولاية والمعرفة والرسالة، ومرتبة الولاية والمعرفة دائمةُ الوجود.»
ويرى مريدو الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى، أن الأفكار والأقوال الشاطحة المنقولة عن لسانه، ما هي إلا أقوال دست على مؤلفاته بهدف تشويه مذهبه بدعم من رجال السياسة، بالإضافة إلى طريقته الفلسفية الصعبة وغير المألوفه في عهده.

و قال السيوطى في رسالته "تنبيه الغبى بتبرئة ابن عربي": «وعن الشيخ عز الدين بن عبد السلام فيه - أي ابن عربى - كلامان الحطّ عليه، ووصفه بأنه القطب، والجمع بينهما بما أشار إليه الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في لطايف المنن أن الشيخ عز الدين كان في أول أمره على طريقة الفقهاء من المسارعة إلى الإنكار على الصوفية، فلما حجّ الشيخ أبو الحسن الشاذلى ورجع، جاء إلى الشيخ عز الدين وأقرأه الإسلام من النبى صلى الله عليه وسلم، فخضع الشيخ عز الدين لذلك ولزم مجلس الشاذلى وصار يبالغ في الثناء على الصوفية لما فهم طريقهم على وجهها وصار يحضر معهم مجالس السماع»، ثم يقول السيوطي: «وحكى عن خادم الشيخ عز الدين أنه دخل مع الشيخ إلى الجامع بدمشق، فقال الخادم للشيخ عز الدين: أنت وعدتنى أنك ترينى القطب. فقال له: ذلك القطب، وأشار إلى ابن عربى وهو جالس والخلق حلقة حوله. فقال له: يا سيدى فأنت تقول فيه ما تقول؟ فقال له: هو القطب، فكرر عليه القول وهو يقول له ذلك».

المصادر:
◌ كتاب المعرفة والسلوك في ضوء الكتاب والسنة / الشيخ الأزهرى مليجى على غانم.
◌ المعجم الصوفى /الحكمة في حدود الكلمة الدكتورة سعاد عبدالحكيم.
◌ موقع الدكتور يوسف زيدان (تَـجَلِّـيَــاتُ النـُّـبُــــوَّةِ في فُصُوصِ الحِكَمِ، لابن عَـرَبى).
◌ مقدمة كتاب فصوص الحكم.
◌ موسوعة الفتوحات المكية.
الجريدة الرسمية