رئيس التحرير
عصام كامل

الانتحار شبح يطارد الشباب.. «محمد»: خيبة الأمر وراءه.. «هناء»: للتخلص من كابوس العنوسة.. استشاري نفسي: خلل في كيمياء المخ.. عالم أزهري: بسبب الابتعاد عن الدين.. خبير: المنتحر يخرج

فيتو

تشير الإحصائيات العالمية إلى أن الانتحار ثالث سبب للموت بين صفوف الشباب، والذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، كما أنه يعتبر سادس أهم سبب للموت بين من تتراوح أعمارهم بين الخامسة والرابعة عشر عامًا.


وفي الفترة الأخيرة، حذَّر تقرير عالمي نشرته منظمة الصحة العالمية، عام 2014، بعنوان "منع الانتحار.. ضرورة عالمية"، من تنامي ظاهرة الانتحار والتي أصبحت مشكلة خطيرة على الصحة العامة في جميع أنحاء العالم.

ورصدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، في تقرير بعنوان "8 أشهُر من الانتحار في مصر"، أصدرته في سبتمبر الماضي، بمناسبة اليوم العالمي للانتحار، الموافق 10 سبتمبر من كل عام، تطورات ظاهرة الانتحار في مصر، خلال الفترة من مطلع يناير 2015 حتى 31 أغسطس من عام 2015، مشيرة إلى ارتفاع عدد حالات الانتحار في مصر إلى 170 حالة خلال الأشهر الثمانية، إلى جانب العديد من الحالات الأخرى التي تم إنقاذها.

محطة المظلات
وكانت آخر حالات الانتحار لشاب بمحطة المظلات، في الخط الثاني للمترو، بعد أن ألقى نفسه أمام قطار المترو، حيث فوجئ قائد القطار أثناء سيره بشخص يلقي بنفسه أمام عجلات القطار، وعلى الفور تم فصل التيار الكهربائي لإزالة الجثة ومعاينة مكان الحادث.

محطة العتبة
وقبلها بيوم، ألقى مواطن، يتراوح عمره ما بين الثلاثين والخامسة والثلاثين، نفسه أمام عجلات مترو العتبة، أثناء قدوم القطار رقم 65 القادم من شبرا تجاه المنيب، الأمر الذي أدى إلى وفاة الشاب، وتعطل حركة المترو لمدة 12 دقيقة.

وأبلغ أحمد عبدالهادي، المستشار الإعلامي لهيئة مترو الأنفاق، أنهم لم يعثروا مع الشاب المتوفى على بطاقة هوية أو أي إثبات شخصية، وتم نقله إلى مشرحة زينهم.

برج القاهرة
وبات الانتحار من وجهة نظر الكثير، علاجا للاكتئاب، ففي يونيو الماضي انتحر طالب بالجامعة الأمريكية للتخلص من حالة الاكتئاب التي أصابته في الآونة الأخيرة، وألقى بنفسه من أعلى برج القاهرة ليلقى مصرعه في الحال، وتتحول جثته إلى أشلاء.

محررة الأخبار
ولم يرتبط الانتحار بفئة بعينها، ففي أكتوبر الماضي انتحرت إيناس زكي خفاجة، محررة بقطاع الأخبار، في منزلها بالعجوزة، نتيجة تناولها جرعة مفرطة من الأدوية، بعد وقفها عن العمل، وعلى غرارها حالة نجل رجل الأعمال أحمد السويدي، الذي أقدم على الانتحار شنقا، أغسطس الماضي، داخل غرفة نومه، وسط ملابسات غامضة للحادث.

الدولة عدو الشباب
وأرجع مصطفى محمد، 26 سنة، السبب في الانتحار إلى شعور المنتحر بأن الدولة أصبحت عدوا يحاول قتل أحلامهم وطموحاتهم، الأمر الذي يصيبهم بخيبة أمل كبيرة تدفعهم إلى الانتحار.

وأضافت هناء عز، 30 سنة، أن سوء الأحوال الاقتصادية في مصر وتفشي البطالة بين الشباب والعنوسة، يدفع معظم الشباب إلى الانتحار.

وأشار محمد عبدالمنعم، 28 سنة، إلى أن الواقع المرير الذي يعيشه معظم الشباب، يصيبهم بالعجز والفشل، فيعدم طموحهم ويقتل خيالهم الإنساني، فيجد الشاب ملاذه الأخير في الانتحار.

أمراض نفسية
أكد الدكتور جميل صبحي، استشاري الأمراض النفسية والعصبية، أن غالبية حالات الانتحار لدى الشباب تكون نتيجة إصابتهم ببعض الأمراض النفسية، مثل الاكتئاب والاضطراب الوجداني، وكذلك الفصام العقلي والاضطراب الذهاني، لافتا إلى أن المنتحر غالبا ما يكون واقعًا تحت سيطرة أفكار مرضية لا يمكنه التحكم فيها، تقوده إلى الانتحار.

وأشار"صبحي" إلى أن هناك مجموعة من الأسباب التي تدفع الشخص أو الشاب إلى الانتحار، تتمثل في حالات الاضطراب الوجداني، حيث ينتقل فيها المريض من حالة الهوس إلى الاكتئاب فيشعر فجأة بآلام نفسية شديدة مثل الإحساس بالاختناق والملل الشديد والنفور من القيام بأي عمل، والاكتئاب الذي يدفعه للانتحار، كذلك في بعض حالات الفصام العقلي والاضطراب الذهاني نتيجة سيطرة هلاوس سمعية وبصرية، بمعنى أنهم يرون ويسمعون أشباحًا أو شياطين تطاردهم، ومن شدة الخوف قد يندفعون للانتحار.

الإدمان
وأوضح "صبحي" أن "الشخص المكتئب غالبا ما يسعى للخروج من اكتئابه بواسطة المواد المخدرة التي تجعله يشعر بالمتعة أثناء تأثير المخدرات ويعود إلى الاكتئاب بعد انتهاء مفعولها، وتزداد شدة الاكتئاب تدريجيا، ما يدفعه إلى زيادة كمية المخدرات، وهذا يؤدي إلى زيادة شدة الاكتئاب خارج تأثير المخدرات ما قد يدفعه إلى الانتحار".

ولفت "صبحي" إلى "أن معظم حالات الاكتئاب ناتجة عن خلل في كيمياء المخ، ولا بد من العلاج الدوائي والجلسات النفسية لها سريعا".

الابتعاد عن الدين
يقول الشيخ سيد زايد، مدير عام مجمع الديري الإسلامي، إن الظاهرة ناتجة عن الابتعاد عن الدين، باعتباره فعلا منافيا للقيم الإسلامية التي تحث على التفاؤل والأمل، لقوله تعالى: "لا تقنطوا من رحمة الله"، كما قال عز وجل في كتابه العزيز: "يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل"، وقال(ص): "تفاءلوا بالخير تجدوه"، وهذا كله يدعونا إلى الأمل والتفاؤل والتشبث برحمة الله والاستعانة به في قضاء حوائجنا.

عصيان على الله
وأكد "زايد" أن المنتحر خارج عن دائرة الدين والإيمان، موضحا أن التفكير في الانتحار ليس خلاصا للمشاكل بل بداية العصيان على الله وعاقبته جهنم، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم، في حديثه الشريف: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".

غياب الوعي الديني
يقول الدكتور محمد حمدي، خبير الاستشارات والعلاقات الأسرية، إن "أساس الظاهرة غياب الإيمان الديني والوعي، فكلما كانت علاقة الشاب وثيقة بالله، كان ذلك داعمًا له نحو النجاح، والعكس صحيح وربما يدفعه للانتحار، إلا أنهم غالبا يتملكهم شعور بالتمني فقط فلا يعمل من أجل ما يريد، فيتملكه الشعور باليأس والإحباط، فهو يدخل ضد قوانين الطبيعة، يتمنى أن يحقق أهدافه دون سعى أو إصرار أو إرادة، ولا يعمل على تقوية إمكانياته ومهاراته، وهو شخص يتغلبه الشعور بالكسل والخمول".

بيت تنقصه العبادة
وأضاف "حمدي" أن أساس الإنسان النشأة والتربية، فالإنسان الذي يتملكه الانتحار لم يُرَبَّ على أن يكون صاحب عزيمة أو مسئولية، هو شخص نما داخل أسرة غرزت فيه الأنا والنفس، ولم تزرع فيه العزيمة أو المسئولية، وتربَّى على التدليل الزائد وعدم الشعور بتحمل المسئولية.

وأضاف أن "المنتحر غالبا ما يخرج من بيت تنقصه العبادة والإيمان والصلة بالله، لذا نجد أن سعي المنتحر في المعاصي أسهل من سعيه في الطاعات، يكون فيها متثاقلا".

الجريدة الرسمية