رئيس التحرير
عصام كامل

عرائس البرلمان


مع بدء عام جديد احتفلنا معًا مسيحيون ومسلمون بمولدين، مولد السيد المسيح ومولد النبي محمد، فتزامنت احتفالاتنا ومناسباتنا ومعايداتنا معًا، وتزامن معها بدء جلسات البرلمان، برلمان ما بعد ثورة ثلاثين يونيو.


فجاءت حلوى وهدايا رأس السنة لتزيين شجرة الميلاد، وجاءت حلوى المولد، الحصان وعروسة المولد؛ لإضفاء المزيد من البهجة والسعادة على الاحتفالات.. وجاء البرلمان، الذي حمل معه ومنذ الجلسة الافتتاحية الأولى، الكثير من النشاط والحيوية والبهجة والطرف والظرف والصخب والجدل.

ولكن أجمل ما حمل، كانت عرائس البرلمان التي منهن أنا، تمامًا كعرائس المولد التي تمنح الحياة والمزيد من السعادة، وُجدنا نحن عرائس البرلمان لنمنح المكان المزيد من اللطف، فتخف حدة الخشونة لدى النواب من الذكور، ويخفت صوتهم قليلًا، وتسكن حركتهم بعد أن جاءت النساء لتكون وسط حشود الرجال، تشاركهم أخذ القرارات والعمل لبناء المجتمع يدًا بيد وكتفًا بكتف، ولا تكن مجرد عرائس للعرض، يراها العالم المحيط بنا ويصفق لكوننا أعطينا المرأة حقها بأن تكون نائبة في البرلمان.

وتبدأ المشاركات في البرلمان وتعلو الأصوات، والكل يُبدي رأيه، وما أجمل الآراء وما أحلاها، حين تدور في النهاية حول المرأة، فيُحلف عليها بالطلاق وسط البرلمان، أو توصف بالجمال والرقة والتفاهة بينما تلقي القسم، من وسائل الإعلام.. أو يُطلب منها ارتداء الملابس المحتشمة أو زي رسمي؛ كي لا تؤذي حواس النائب ولا تجرح مشاعرهم، فتبقى النزوة مكبوتة والأعصاب مضبوطة.

ثم نقول، لقد منحنا المرأة حقها.. في ماذا مثلًا؟

لقد سمحنا لها بأن تجلس في البرلمان جنبًا إلى جنب مع أخيها الرجل.

لتفعل ماذا؟

يكفيها أنَّه سُمح لها بأن تكون تحت قبة البرلمان، لقد مُنحت هذا الشرف، وهذا يكفي.

ثم ننظر لنرى الشعوب تتطور وتتقدم، وتأتي إلينا النساء الرئيسات والوزيرات والسفيرات والنائبات من أوربا وأمريكا والدول المتقدمة، لتملي علينا شروطهن، فيوافق الرجال الشرقيون بعدما يرتدون البذل الأنيقة، ويمنحونهن آذانهم الصاغية ووعودهم الملتزمة وموافقاتهم الأمينة.

ثم ما أن تنتهي الزيارة حتى يلتفوا إلى الخلف وينزعوا عنهم بذلهم، فيعودون إلى عباءاتهم الخشنة، ويبدأون يتعاملون مع النساء في مجتمعاتهم كأنهن ناقصات متخلفات عرائس مولد للتحلية.

لقد أقمنا الحد على مجتمعنا فبترنا نصفه، نساؤنا ليست خادمات أو مرضعات، ولم تخلق للولادة والإنجاب فقط.. مجتمعنا الذي لا يمنح المرأة الحق بأن تبدي رأيها، تقيته المرأة، تهتم به منذ نشأته، تحتضنه وتربيه.. مجتمعنا الذي يمكن أن يُرمى على نسائه يمين الطلاق في أي مكان، القهوة أو حتى البرلمان، يدمر نفسه بنفسه.

إعلام مجتمعنا الَّذي يحوِّل برلمانية شابة أخذت تشق طريقها في الحياة السياسية بهدف خدمة مجتمعها، إلى مادة للتسلية وموضوعًا للحلقات الفكاهية، إعلام يبهت كل شيء، يتغيب عن كل ما يحيط بالوطن من مخاطر، ويجذب الناس إلى السطحية والتفاهة.

وحين يقترح أحد النواب في برلمان مجتمعنا، على النائبات ارتداء ملابس محتشمة، أو زي رسمي؛ كي يزداد المجلس وقارًا، ننسى آلام الوطن ونركز في الأزياء.

بداية عام جديد وموسم جديد لمجلس النواب، نحتاج فيهما أن ننزع عن أعيننا عصائب التعصب والانحياز للذكور.. بداية موسم جديد لبرلمان ولدته بلدنا بعد مخاضٍ شديد، وسط ظروف صعبة، نحتاج فيها أن نركز على العقول والإرادات والمبادئ والأخلاقيات، التي لا تُختصر في الشكل الخارجي وفي مصطلح الحشمة.

بداية موسم جديد من الحياة، نحتاج فيه أن نركز على الإنسان، على قلبه وفكره وإبداعه وطموحه، ولا نركز على جنسه.. رجالًا كنا أم نساء، المجتمع يحتاجنا كي يكبر ويثمر.

فنحن الإنسان الذي وضع في هذه الأرض كي يزرعها ويبنيها ويحميها.. فخلف كل رجل عظيم أم، وزوجة.. ووراء كل شهيد من الرجال أم ثكلى وزوجة أرملة وطفلة يتيمة.. نحن معًا في المعاناة، نتشارك الحلو والمر، ولسنا عرائس في مولد.
الجريدة الرسمية