رئيس التحرير
عصام كامل

القمة تسع الجميع


عقلية الوفرة هي تصور ذهني يتبنى فكرة أنَّ العالم به ما يكفي للجميع.. من علم وفرص عمل، وغذاء وكساء ومقام ودواء.. مع أنه ومع الأسف نرى معظم الناس يعيشون في منهج مبنٍ على تصور ذهني يطلق عليه اسم عقلية الندرة؛ حيث يروا أنَّ الحياة، قد يكون فيها الكثير، لكن لا توجد فيها سوى فطيرة واحدة فإن أخذ أحدهم قطعة كبيرة منها، فهذا معناه حصول الجميع على نصيب أقل.


في الواقع، الندرة الذهنية هي تصور ذهني للحياة يساوي صفرًا.. والذين يعانون من عقلية الندرة يجدون صعوبة كبيرة في تقدير الآخرين ومنحهم الفرص، وليس هذا فحسب بل يرفضون إعطاء التفويض بالسلطة للآخرين، أو مشاركتهم المكاسب والأرباح.. حتى مع أولئك الذين يساعدونهم في الإنتاج.

كذلك، من يعانون من عقلية الندرة يمرون بأوقات عصيبة، حين يضَّطرون إلى مشاركة الغير سعادة نجاحهم، وإن كان مع أفراد أسرتهم أو أصدقائهم المقربين وزملائهم.

يشعرون كأنَّ شيئًا ما قد انتُقص أو انتزع منهم، عندما يتلقى شخصٌ آخر غيرهم، تقديرًا خاصًا أو منحة مالية أو يحقق نجاحًا أو إنجازًا متميزًا.

ورغم أنَّهم قد يعبرون بشفاههم عن سعادتهم لنجاح الآخرين، لكنهم في الداخل يُعتصرون من الغيظ الذي ينهش قلوبهم.. يبدأون يقارنون أنفسهم بالآخرين، ويبدأ إحساسهم بقيمتهم الذاتية ينشأ من المقارنات الَّتي يجرونها على أنفسهم مع الآخرين، وقد يعني نجاح شخص آخر غيرهم فشلًا ذريعًا بالنسبة لهم.

الذين يعانون من عقلية الندرة غالبًا ما يتمنون سرًا أن يعاني غيرهم من سوء الحظ، وهم قد لا يتمنون للآخرين استدامة سوء الحظ في حياتهم، لكن يتمنون لهم على الأقل حظًا سيئًا يبقيهم في أماكنهم.

الذين يعانون من عقلية الندرة هم في حالة منافسة دائمة مع الآخرين.. يستنزفون طاقتهم وينفقونها في محاولة امتلاك الأشياء أو الآخرين؛ كي يزيدوا من إحساسهم بقيمتهم.. كما يسعون لجعل الآخرين يتصرفون وفقًا لإرادتهم.. وغالبًا ما يرغبون بجعل الآخرين قوالبًا وأشكالًا ونماذج متكررة ومستنسخة، يحيطون أنفسهم بالناس الذين يهتفون ويصفقون لهم، ويقولون "نعم" دائمًا، أناس أضعف منهم لا يسعون إلى تحديهم.

كذلك يصعب على الناس الذين يعانون من عقلية الندرة أن يكونوا أعضاء في فريق متكامل.. فهم يتعاملون مع الاختلافات كأنَّها علامات على تمرد الآخرين عليهم وعدم الانصياع لهم وخيانتهم وعدم إخلاصهم.

بينما، من ناحية أخرى تنبع عقلية الوفرة من إحساس عميق بالقيمة الشَّخصية والأمان.. عقلية الوفرة هي تصور ذهني يدرك أنَّ هناك ما يكفي للجميع.

وينتج عن إحساس الإنسان وتصوره الذهني بالوفرة، مشاركته للآخرين واحترامه وتقديره لهم واعترافه بمواهبهم وبقدرتهم على أخذ القرارات الصَّحيحة.. كما يعطي هذا الإحساس للآخرين المجال لحرية الإبداع والابتكار والتميز.

وتحترم عقلية الوفرة، الاختلاف في الرأي، ولا تبحث عن نسخ متكررة من النَّاس، بل تحب التَّنوع والتميز وتعلم الآخرين وتتعلم منهم.

تشعر عقلية الوفرة بالمتعة الشخصية والرضا والسعادة وتُظهرها للآخرين وتحوِّلها إلى تقدير للتفرد والتوجه الدَّاخلي للإنسان.. الوفرة الذهنية تدرك احتمالات نمو التفاعل الإيجابي وتطوره، الأمر الذي قد يؤدي إلى التوصل إلى بدائل جديدة دائمًا.

الانتصار عند عقلية الوفرة لا يعني أن تتغلب على الآخرين أو تتفوق عليهم، بل يعني أن تُحقق النجاح في التعامل الفعَّال معهم، الذي في النهاية يثمر فوائد مشتركة تعود على الجميع بالنفع.

يُقصد بالانتصار عند عقلية الوفرة، النَّصر العام العامل معًا والمتواصل معًا والمحقق للأشياء معًا، الأشياء التي لن يتمكن نفس الأشخاص من تحقيقها لو عمل كل واحد منهم بمفرده مستقلًا.. النصر العام هو النمو الظاهري للتصور الذهني لعقلية الوفرة.

الشخصية الغنية بالأمانة والنضج التي تتمتع بعقلية الوفرة، هي شخصية واقعية في مستوى التعاملات الإنسانية بدرجة تتجاوز جميع التقنيات.. تجدها هادئة مطمئنة، لا تهددها نجاحات الآخرين، لكن على العكس تشجع الآخرين على نجاحاتهم وتطري وتثني عليهم، كما تشاركهم بتجاربها ومعارفها ومعلوماتها.

والسؤال: أي عقلية يمكن أن تجعلك تحيا بهدوء وطمأنينة وسلام؟.. عقلية الوفرة، أم عقلية الندرة؟

أن تؤمن بأنَّ هناك فرصًا تكفي الجميع وخيرًا يكفي الجميع، وبالتالي أنت لست في حاجة إلى أن تنافس أو تخسر أحدًا أو تؤذي أحدًا كي تكسب، فهناك خير يكفي الجميع.

أم أن تصدق بأنَّ الخير قليل والفرص محدودة، ولا بد من وجود خاسر في النهاية، فالحياة كلها صراع وتنافس.. مع عقلية الوفرة، أنت غير خائف، ناجح، واثق، غير قلق، متشجع ومشجع للآخرين، أنت فرح، متمتع بالحياة ومطمئن.. أما مع عقلية الندرة، أنت خائف، غير واثق، قلق، غير متشجع ولا تشجع أحدًا، لا تفرح، تقارن دائمًا نفسك بالآخرين، تنافس الغير طوال الوقت، عير مستمتع بالحياة وغير مطمئن.

يمكنك أن تختار أن تحوِّل الحياة إلى واحة للسلام، أو إلى ساحة للحرب.. كن دائمًا مع عقلية الوفرة لتكون سعيدًا.
الجريدة الرسمية