نقابة الإعلاميين !
أخيرًا وافقت الحكومة على إنشاء نقابة للإعلاميين، وهو إجراء وأمر تأخر جدًا، ولكن أما وإن حدث فلا بأس، فأن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا، وكان من المفترض أن تكون هذه الموافقة بمثابة شرارة البدء للمضي في طريق وقف المهازل التي ترتكبها غالبية وسائل الإعلام المختلفة، وأن تكون الموافقة على تأسيس أو إنشاء نقابة للإعلاميين بمثابة نقطة فاصلة ينتقل بعدها المجتمع الإعلامي المصري من كيان يفتقد لأي مرجعية، إلى كيان صحي سليم تحكمه ضوابط ومعايير تحقق صالح مهنة الإعلام وتحقق في الوقت ذاته النقلة المفتقدة لمجتمع يعاني من التشتت الفكري والثقافي والتعليمي!
اختزل الإعلاميون والصحفيون الأمر في اختلاق مشاجرة فارغة المحتوى، حول من له الأحقية في الانضمام لنقابة الإعلاميين التي لم تؤسس أصلا، فالصحفيون أعلنوا أنهم الأحق بأن يكونوا أعضاء في نقابة الإعلاميين، هذا الإعلان قوبل بالرفض من جانب الإعلاميين وقالوا إنهم يرفضون انضمام الصحفيين لنقابة الإعلاميين، وإن كان ولابد انضمامهم للنقابة الوليدة، فلابد أن يدخل الإعلاميون إلى نقابة الصحفيين، وهو ما رد عليه الصحفيون بالرفض.. وهكذا سقط الجميع في أتون صراع خالٍ من أي عقل أو منطق !
الحقيقة أن استجابة الحكومة لطلب تأسيس نقابة للإعلاميين، خطوة بسيطة جدًا على طريق متعدد الخطوات يتطلبها أمر إصلاح الإعلام في مصر.
مطلوب من الحكومة والمعنيين بأمر الإعلام في هذا البلد أن يعلموا أن هناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى استحداث تشريعات ولوائح وتنظيم كي نوقف حالة الاستنزاف المتداخلة التي نعانيها؛ بسبب عدم وجود نظم حاكمة لمهنة الإعلام.
على ما يبدو أن أولى الأمر نسوا أو تناسوا أن القوانين المنظمة لمهنة الصحافة والنشر، مضى عليها أكثر من نصف قرن، ولم تعد صالحة بالمرة للمستجدات والوسائل التي طرأت في مجال الإعلام، فقد كانت الصحافة وقت صدور تلك القوانين قاصرة على الصحف المملوكة للدولة، لم تكن هناك صحف حزبية، ولا صحف خاصة، ولم تكن هناك صحف أو مواقع إلكترونية، ولم تكن هناك برامج توك شو، ولا قنوات إخبارية ولا مواقع تواصل اجتماعي !!
نحن في حاجة ماسة إلى وضع تشخيص شامل وواسع لواقع الإعلام في مصر، تشخيص يحدد أبعاد المجتمع الإعلامي من كل جوانبه التقنية والبشرية والاقتصادية، تشخيص واعٍ يحدد المهام السوية وغير السوية لوسائل الإعلام، وما الذي يضمن حسن الالتزام بأهداف ووظائف مهنة الإعلام، وما هي الضوابط التي يجب أن يلتزم بها جميع الممارسين والمنخرطين في مهنة الإعلام، ولنعلم أننا لن نكون مبدعين أو مخترعين، فقد سبقتنا كثير من دول العالم المتقدمة والمتأخرة والبين بين، سبقتنا في تنظيم كيان الإعلام !
يا سادة قبل أن نتبادل التهاني بعد موافقة الحكومة على تأسيس نقابة للإعلاميين أو نتشاجر على من له الأحقية في الانضمام لهذه النقابة، قبل كل هذا، هل وضعنا تعريف لمن هو الإعلامي، وما هي مؤهلاته، وإمكانياته، هل فكرنا في كيفية تحقيق الفصل التام بين ملكية وإدارة المؤسسات الإعلامية؟
هل لدينا نية صادقة لقطع الطريق على تسرب الأموال، المجهولة أو المعروفة المصدر إلى وسائل الإعلام، هل لدينا تصورات لضمان المستوى الأدنى لمعيشة العاملين بمهنة الإعلام، بما يحقق في الأساس ضمانة للمجتمع بألا يتحكم فيما يبث على الناس سماسرة أو مرتشون أو أرزقية ؟
هل درسنا أوضاع أكثر من سبعة آلاف عضو بنقابة الصحفيين لا يجد السواد الأعظم منهم وسيلة العيش الكريمة، هل درسنا المأسي التي ارتكبتها الحكومات والإدارات المتعاقبة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون وللمؤسسات الصحفية المملوكة للدولة، وتسببت في تحميل الدولة مئات الملايين من الجنيهات، وربما المليارات، جبرًا للخسائر التي تحققها تلك المؤسسات، هل لمسنا بشكل حقيقي المآسي التي تحيط بالصحف الحزبية والخاصة ؟!
الأسئلة كثيرة والاستفسارات أكبر، ولا من ردود، فقد استسهلنا كمجتمع التعامل السطحي مع كل الأمور !