رئيس التحرير
عصام كامل

برلمان كمال الشاذلي وأحمد عز !!


الأزمة الكبرى التي تحيط بواقعنا السياسي الراهن، هي الفشل الذريع في ملء الفراغ السياسي الذي أحدثته ثورتا «يناير ويونيو»، اللتان أطاحتا بنظامي مبارك والإخوان على التوالي، فقد كانت الحياة السياسية خلال سنوات حكم مبارك كانت موزعة بين حزب الأغلبية الذي كان يجلس على قمته رئيس الجمهورية، وبين جماعة الإخوان، بينما كانت باقي الأحزاب السياسية "كمالة عدد"!


ولكن للأمانة والإنصاف فإن العقود الأربعة الماضية شهدت نجومًا سياسيين معارضين كانت لهم صولات وجولات مشهودة في مواجهة النظام الحاكم وحكوماته المتعاقبة، ولكن هذه الجهود السياسية البارزة كانت جهودًا فردية ارتبطت بأسماء أصحابها فقط، ولم يكن للأحزاب التي كان ينتمي لها البعض من أولئك النجوم أي فضل في ترويجهم في الشارع السياسي أو داخل نطاق النخبة الحاكمة، وللأمانة والإنصاف فإن عمليات إضعاف الأحزاب السياسية بدأت منذ عهد الرئيس السادات وبالتحديد في منتصف سبعينيات القرن الماضي، عندما أعاد التعددية إلى الحياة السياسية وكانت عملية إنشاء الأحزاب السياسية محفوفة بالكثير والكثير من التلاكيك التي كان يمارسها النظام الحاكم، وكان يمرر الحزب الذي يراه النظام الحاكم على هواه، ويوقف ما دون ذلك، هذا إضافة إلى التضييق الذي كان يمارسه النظام على الأحزاب المصرح بها !

جماعة الإخوان خلال عهد مبارك كانت تمارس وباستمرار لعبة الشد والجذب مع النظام الذي كان يوسع ويضيق المساحة التي توجد فيها الجماعة حسب قوة الضغوط التي كانت تمارسها الجماعة من ناحية أو الدول التي كانت تساندها من ناحية أخرى، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، وما حدث في انتخابات 2005 نموذج صارخ لنظام الصفقات التي كانت تربط بين نظام مبارك والإخوان، وكاد هذا النموذج يتكرر في انتخابات 2010، ولكن إرادة المولى سبحانه وتعالى شاءت ألا تكتمل الصفقة بعدما أبى أحمد عز إلا أن يحتكر مقاعد البرلمان للحزب الوطني، وحدث ما حدث في يناير 2011، وسقط النظام بكامله، وربما كان الكيان الأكثر تجسيدًا لسقوط النظام هو انهيار الحزب الوطني الذي تم حله بحكم قضائي!

وبعد رحيل نظام مبارك سطت جماعة الإخوان وأنصارها على مجمل المشهد السياسي، ولكن إرادة المولى جل وعلا شاءت أن يبدأ الإخوان، خلال فترة حكمهم التي لم تدم أكثر من عام من حيث انتهى الحزب الوطني، وسعوا لاحتكار السلطة والحياة السياسية وكل شيء في مصر، ولكن خروج الشعب المصري بمساندة الجيش يوم الثلاثين من يونيو 2013 كان له الفضل الأكبر في إزاحة حكم الإخوان، لتتأكد حالة الفراغ السياسي!

وكان من الطبيعي أن تدرك القوى السياسية أن ملء الفراغ السياسي أمر لابد أن يتم بشكل علمي وممنهج، بل ومتدرج، ولكن للأسف كل السياسيين مصرون على تجاهل أبسط القواعد المفروض اتباعها عند إجراء أي إصلاح، وهي التشخيص الحقيقي للحالة المزرية التي تحيط بهم، فهم ينظرون بعين إلى تجارب الديمقراطيات الغربية الراسخة، وينظرون بالعين الأخرى إلى تجربة الحزب الوطني المنحل! ناسين متناسين أن مجتمعنا يمر بمرحلة سياسية يقول توصيفها السليم إنها مرحلة البينين، ناسين متناسين أن مرحلة برلمان كمال الشاذلي وأحمد عز لا تصلح، وكذلك تجارب البرلمانات الغربية لا تصلح أيضًا. 

والحقيقة أن سياسيينا لا يدركون أنهم وعندما يرددون كل لحظة أنهم لن يكرروا تجربة برلمانات الحزب الوطني، لا يدركون أنهم يستحضرون تلك التجربة ودون أن يدروا!
الجريدة الرسمية