رئيس التحرير
عصام كامل

روح السيدة العجوز تسكن الجميع

رجعت السيدة كلارا مرة أخرى إلى قريتها التي تقع في أحضان إحدى قرى جبال الريف السويسرى الهادى ولكنها عادت بوجه آخر وملامح عابسة قاتمة تجافى جمال سنوات البراءة حيث الطفولة والصبا التي عاشتها في قريتها قبل طردها منها والحكم عليها بالفساد الأخلاقى من الجميع، كانت كلارا على علاقه بأحد شباب القرية الأنذال الذين ما إن حملت منه حتى تنكر لها ونجح بفضل فساد ضمائر مجتمعه في الإتيان بشهود زور في ساحة القضاء الذي أدان الضحية وبرءوه تماما بينما صارت هي ذليله منكسرة مهزومة ومطرودة من الجميع، المفارقة أنها تعترف أنها أخطات في مجتمع يدعى التدين والأخلاق بينما هو خاو من القيم أجوف دعى يمكن شراء ذمته بسهولة مطلقه وقد حدث !

عادت كلارا بعد سنوات طويلة وهى شديدة الثراء تحمل معها أموالا طائلة ووعودا براقة بالإغداق على جميع من ظلموها لكن بشرط واحد.. وهو قتل الحبيب السابق، رضى الجميع باموالها الحرام التي قد أخبرتهم أنها اكتسبتها من العمل في الدعارة ولكن لا يهم لا يهم ذلك، الثراء يجب ما قبله وإن كان ما يؤرق سيدتهم الآن هو قتل العشيق الخائن النذل فليقتل... نعم بمنتهى البساطة هو يستحق القتل ! فليقتل وليقبض جميع الأدعياء من مجتمعها الثمن وهو على كل حال ليس بالقليل، وبالفعل يوافق الجميع من أفراد عابدين للمال ومؤسسات شرطية وقضائية تحمى من يدفع وفقط، حتى رجل الدين صديق العشيق المستهدف يتخلى عنه وينصحه فقط بالابتعاد أو الخروج مثلما خرجت كلارا من قبل.

في مجتمع مثل هذا يكون الفساد هو المسيطر وهو القاضى والجلاد، في مجتمع يفتقد للرحمة يكون الانتقام هو المبتغى والغاية العظمى حتى وإن بعدت المسافات والأزمنة، يبقى مكان واحد وزمان ثابت لا يتحرك وهو زمان الثأر والحقد وهذا ما يحذرنا منه الكاتب السويسرى العظيم فريدرش دورنيمات في رائعته "زيارة السيدة العجوز" والتي تم عرضها مرار على المسرح القومى وفي كثير من مسارح الدولة لكن للأسف الدولة ذاتها لا تدرك مغزاها وتسير بخطى ثابته على نهج أخشى أن يؤدى بكثير من مواطنيها للتشبه بكلارا والتشبع بروح الإنتقام التي سكنتها وأعمتها عن كل شىء وكل قيمه وجردتها من الإنسانية هي وكل من طاوعها وتأثر بأموالها.

لا أحد يفكر في مصير المجتمع عندما يخرج 50 ألف كلارا من السجون يوما ما، لا أحد يفكر في مصير الجميع عندما يتلبس هؤلاء روح الانتقام من الجميع حتى من ساندوهم على استحياء أو من غضوا النظر عن الظلم الواقع على بعضهم أو الكثير منهم لدرجة أن رئيس الجمهورية أقر بوجود مظلومين ثم أفرج عن مجموعات قليلة ليلة عيد الأضحى الماضى ولكن هذا ليس بالكثير !

يا ترى ماذا سيحدث لرجال الدين الذين يتبرعون بفتاوى مجانية أو بثمن بخس تخون كل من تظاهر وخرج في يناير2011 التي تخشى الدولة تكراره ويتلبسها حالة من انعدام الوزن فقط لاقتراب ذكراها، ماذا سيفعل هؤلاء بشيوخ ووعاظ تألهوا على الله سبحانه وتعالى لدرجة توزيع صكوك الشهادة على هواهم وسحبها ممن يكرهون؟! 

ماذا سيفعل هؤلاء عندما يعودون يوما للحياة من السجون وقد تشبعت أرواحهم بالحقد والغل والكراهية؟.. نعم لن يجدوا أموالا مثل السيدة العجوز ولن يجدوا مستقبلا، بلا شك سيتحولون لقنابل موقوتة داخل المجتمع والدولة التي عالجت أخطاءهم بأخطاء أكبر وأحمق وأشد تهورا!

بإمكان الدولة المرتعشة كل عام من شبح 25 يناير أن تبعد عن نفسها وعن الجميع شبح يناير المرعب وروح كل كلارا وكل ظلم تجسد حقدا وغلا في أحد، بإمكان الدولة بقليل من العدل والتسامح والإنصاف أن تفرج عن المعتقلين وتقر قوانين للعدالة تطبق فعليا ولا تطبق في أدراج المكاتب وتستدعى وفقا للحاجة وفقط، بإمكان الدولة أن تبدأ صفحة جديدة حتى وإن كانت متأخرة. 
Fotuhenr@gmail.com
 

الجريدة الرسمية