حركة المحافظين المنتظرة !
قال رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل في تصريحات صحفية قبل يومين، إن حركة المحافظين المنتظرة لا تزال قيد الدراسة لدى وزير التنمية المحلية، والحقيقة أنني لا أثق في صحة هذا الكلام الصادر عن رئيس الوزراء، فالرجل يريد أن يقنعنا بأن وزير التنمية المحلية، أي وزير تنمية محلية، سواء كان هذا الوزير هو الدكتور أحمد زكي بدر أو غيره، لديه صلاحية إعداد حركة محافظين، تتضمن إقالة بعض المحافظين ونقل البعض الآخر وتعيين محافظين جدد، ويريد أن يقنعنا بأن الأسلوب الرتيب المعتاد منذ عشرات السنين في اختيار المحافظين قد تغير، رئيس الوزراء يريد أن يقنعنا بأن مبررات اختيار المحافظين قد تغيرت!
ويؤسفني القول إنني كان لدى بعض الأمل في أن حركة المحافظين المنتظرة ربما ستكون مختلفة عن سابقاتها، ولكن تصريحات رئيس الوزراء بددت كل أمل في الحركة المنتظرة للمحافظين، فقد كشفت تصريحات رئيس الحكومة أن الأمور ستسير بذات النهج الذي لم يأت بأي فائدة على عموم الناس في مختلف المخافظات، فقد كنت أنتظر أن يخرج رئيس الوزراء للرأي العام، ويقول بشكل واضح إن الحكومة قررت تغيير نظام اختيار المحافظين، وسوف تكون المفاضلة في الاختيار للأشخاص المؤهلين للعمل المحلي ولديهم خبرات ودراسات في مجالات التنمية المحلية والمجتمعية، كنت أنتظر أن يعلن رئيس الوزراء إلغاء نظام المحاصصة المتبع في اختيار المحافظين، والذي يقصر الاختيار من بين الهيئات القضائية وأساتذة الجامعات وقيادات الشرطة والجيش، ودعوني هنا أسجل اقتناعي بضرورة اختيار ضباط كبار بالقوات المسلحة محافظين للمحافظات الحدودية تقديرًا لاعتبارات أتفهمها تمامًا وأرى أن يكون هذا الأمر استثناءً !
لا أفهم أن يتم اختيار قاضٍ أوشك على الإحالة للتقاعد لمنصب محافظ، ماذا يمكن لرجل قضى الجانب الأكبر من حياته العملية منفصلا عن المجتمع، كما تقضي واجبات وظيفة القاضي، ماذا يمكن أن يقدم لشعب المحافظة التي يديرها ما يحسن أوضاعهم ويعظم من قدراتهم ويجد حلولا لمشكلاتهم، ما هي الخبرات الإدارية التي يمكن أن تكون لدى مثل هذا القاضي، كي يكون قائدًا لكتيبة ضخمة من موظفي الإدارة المحلية، أغلبهم فاسدون وبعضهم متهاون، والبعض الآخر لا يريد أن يعمل، للنجاة بنفسه من المسئولية أو التورط في وقائع جنائية ؟!
ما هي خبرات رئيس جامعة أو عميد كلية أو أستاذ جامعي في أي تخصص، ما هي خبرة أي واحد من هؤلاء في فنون الإدارة المحلية، ما هي قدراته في وضع أولويات لانتشال الناس من وحل التسيب والإهمال المستشرى في جهاز الحكم المحلي، والذي حوّل الحياة اليومية للناس إلى مآسٍ عميقة عند توجههم لأعمالهم أو للخروج إلى الشوارع أو للحصول على أي خدمة ضرورية لحياتهم وأسرهم !!
ماذا لدى قيادة شرطية أوشكت على الخروج إلى المعاش من خبرات تتيح له تحقيق أي فائدة مجتمعية للمحافظة التي سيتولاها !
وأنوه إلى أن المقصد هنا من كل التساؤلات الاستنكارية، ليس المساس بهيبة أو كيان أو كرامة، القاضي وأستاذ الجامعة أو ضابط الشرطة الكبير، مطلقًا ليس هذا هو الهدف، إنما المقصد هو تأكيد عدم جدوى اختيار أصحاب هذه المهن لتولي مناصب المحافظين، ولدينا تاريخ طويل من الأداء غير المجدي لغالبية أصحاب هذه المهن الذين اختيروا محافظين.
وأزيد بأن أقول إنني أتفهم أن الحكومة ربما ترغب في تكريم موظف كبير في الدولة من القضاة أو من أساتذة الجامعات أو من قيادات جهاز الشرطة في أخريات أيامه بخدمة الدولة، ولكن التكريم لا يكون بهذه الطريقة التي أساءت للكثيرين من أولئك المحافظين، وللمجتمع في ذات الوقت، وبالمناسبة أضيف مهنة رجل الأعمال إلى الفئات التي لا تصلح لأن يكون من يمتهنها محافظًا، فليس من المنطق في شيء أن نأتي برجل يدير استثماراته وفق مبدأ الثواب والعقاب وعلى أحدث أسس الإدارة، ونؤكد إليه إدارة جهاز إداري يعتمد مبدأ "اللي يحب النبي يزق" !
يا معالي رئيس الوزراء، إن حل مشكلات الناس وتخفيف معاناتها لن يتم إلا بإجراء تغيير شامل في نظام العمل بالدولة وجميع أجهزتها وعلى رأسها جهاز الحكم المحلي !