رئيس التحرير
عصام كامل

سفير مصر السابق بموسكو: بوتين سيتخلى عن الأسد إذا ضمن مصالحه

فيتو

  • القصف الروسي لسوريا "دعم" وليس تدخلا.. و"بوتين" نجمه صاعد
  • عقد المحطة النووية المصرية يعطى موسكو "برستيج" دوليا.. وتزامن توقيعه مع حادثة الطائرة المنكوبة "صدفة" 
  • روسيا اعتبرت ثورات الربيع العربي طريقا لصعود الإسلام السياسي
  • المادة 51 بميثاق الأمم المتحدة لا تمنح روسيا الحق في هجوم عسكري على مصر
"روسيا" في الآونة الأخيرة أصبحت رقما صعبا في المعادلة الدولية، تعرضت طائراتها لنكبات متكررة تعجب لها الجميع، شاركت في الحرب السورية فجأة فوقف الغرب مكبل اليدين أمامها وباتت تعاقب العثمانيين بحزم دون أن ينطق أحد.

وفي تلك الأثناء التي رسم فيها الدب الروسي فلاديمير بوتين خريطة نمو نفوذ إمبراطوريته، كانت مصر أحد أبرز حلفائها في المنطقة وعليه تحدثت "فيتو" إلى السفير عزت سعد، سفير مصر السابق بموسكو فيما يخص العلاقات المصرية الروسية والدور الروسي القادم بالمنطقة وإليكم تفاصيل الحوار:

بداية.. بم تفسر توطد العلاقات المصرية الروسية عقب ثورة 30 يونيو؟ هل من الممكن أن يؤثر حادث إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء عليها؟
العلاقات المصرية الروسية شهدت طفرة جيدة خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم تراجعت إلى حد ما بعد 25 يناير 2011 وحتى ما قبل 30 يونيو لأسباب تتعلق بالتقييم الخاص لروسيا بثورات الربيع العربي، لكن بعد ثورة 30 يونيو تم إحياء معاهدة الشراكة الإستراتيجية بين الدولتين والتي وُقِعت في يونيو 2009 خلال زيارة الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف للقاهرة، ووفقا للمعاهدة، يقوم وزيري الدفاع والخارجية في البلدين بالالتقاء سنويا بالتناوب بين عاصمة البلدين، فضلا عن زيارات قمة بين الرئيسين، وهذه الصيغة للتعاون يتم العمل بها بين روسيا وعدد محدود من شركائها الإستراتيجيين مثل الصين والبرازيل وإيطاليا وإسبانيا والهند.

ماذا تقصد بالتقييم الروسي لثورات الربيع العربي؟
روسيا كانت تنظر إلى ثورات الربيع العربي كونها صعودا للإسلام السياسي، وهو أمر تتحسب له روسيا الاتحادية ويثير مخاوفها بالنظر إلى المسلمين الروس المقيمين في جنوب روسيا بمنطقة شمال القوقاز والذين تتخوف روسيا من إمكانية أن يكون للإسلام السياسي في الشرق الأوسط تأثير سلبي عليهم، بمعنى إمكانية أن يؤدي ذلك إلى مطالب بالانفصال على غرار ما حدث في الشيشان في الثمانينات وما قبلها عندما شن الجهاديون في أفغانستان الحرب على الاتحاد السوفييتي السابق وما انتهى إليه ذلك.

بالعودة إلى ملف العلاقات (المصرية – الروسية).. كيف ترى توقيع عقد إنشاء أول محطة نووية في مصر بمساعدة روسيا؟
جاء توقيع مصر وروسيا على عقد إنشاء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء في مصر مع شركة روس آتوم الروسية في 19 نوفمبر الماضي بتكنولوجيا روسية، ليشكل نقطة تحول كبرى في علاقات البلدين إذ إن هذا النوع من التعاون، أي في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، يتسم بخصوصية وطبيعة معينة ترفع علاقات البلدين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الحقيقية.
وأود التأكيد هنا أن هذا العقد كما أنه يحقق مزايا ومنافع مؤكدة لمصر فإنه أيضا يحقق مصالح جيوإستراتيجية واقتصادية كبيرة لروسيا والتي تطمح في اختراق السوق العربية والأفريقية في هذا المجال من خلال البوابة المصرية كما يعطيها ذلك "برستيج" على المسرح الدولي كقوة نووية كبيرة لديها تكنولوجيات متطورة.

من وجهة نظرك.. توقيع عقد المحطة النووية بعد أيام من حادثة الطائرة الروسية المنكوبة في سيناء.. هل يحمل مغزى معينا.. أم أن الأمر لا يتخطى حدود المصادفة؟
لا أعتقد أن هناك ارتباطا بين حادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء وتوقيع هذا العقد، والذي تم بعد نحو 20 يوما من سقوطها وذلك رغم أن هذا التوقيع قد يبدو وكأنه نوع من التعويض أو الترضية للجانب الروسي عن الحادث، ولكن مثل هذا التصور يغاير الحقائق حيث أن مشروع هذا العقد تم التفاوض عليه لأكثر من عام وكان الجانب المصري "ميالا" بشدة للعرض الروسي من النواحي المالية والفنية وذلك مقارنة بالعروض الأخرى التي تم التقدم بها من دول أخرى كالصين وكوريا الجنوبية وفرنسا وغيرها.

هل كانت محاربة داعش نقطة أساسية في التقارب بين مصر وروسيا باعتباؤها من أكثر الدول عملا على مكافحة التطرف الديني؟
كانت وما زالت مكافحة الإرهاب قاسما مشتركا بين مصر وروسيا، ويوجد تعاون أمني بمجال مكافحة الإرهاب منذ سنوات طويلة كما يوجد إطار مؤسسي لذلك، لكن في الوقت ذاته هناك مختلفات ومشتركات بين الجانبين ولذلك فنحن نسعى للبناء على القواسم المشتركة وتنحية الخلافات جانبا.

لماذا تأخرت روسيا في إعلان رد فعل على حادث إسقاط طائرتها فوق سيناء؟ وهل تعرضت لضغوط غربية دفعتها لإجلاء رعاياها.. ووقف طيرانها إلى شرم الشيخ؟
ربما كان وراء التأخير أسباب فنية تتعلق بسير التحقيقات الروسية بشأن أسباب الحادث، كما أننى أستبعد وجود ضغوط غربية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمعروف بالعناد وعدم التجاوب مع الضغوط الغربية.
ومن الممكن أن تكون المعلومات التي وصلت للسلطات الروسية من نظيرتها البريطانية ساهمت في اتخاذ القرار بتجميد الرحلات، لكن لا يمكن اعتبار هذه المعلومات ضغوطا.

كيف تقرأ تهديد بوتين باستخدام المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للبحث عن الجناة بالحادث؟ وهل يعني ذلك تهديدا بتدخل عسكري كما زعم البعض؟
تصريحات الرئيس الروسي في هذا الشأن أسيء فهمها وتفسيرها تماما، لأن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والمتعلقة بحق الدفاع الشرعي للدول فرادى أو جماعات عندما يتم الاعتداء عليها عسكريا يكون من حقها وعلى سبيل الاستثناء استخدام القوة المسلحة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد تطور تطبيق هذه المادة منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 حيث اعتبر الإرهاب الدولي بمثابة عدوان باستخدام القوة المسلحة والمعنى هنا هو أن أي دولة تلجأ إلى هذه المادة لا بد وأن تكون قد اعتدى عليها بالفعل وبأدلة مؤكدة وأن تلجأ إلى مجلس الأمن الدولي التابع للامم المتحدة لاتخاذ ما يراه من تدابير، بموجب صلاحياته، لحفظ السلم والأمن الدوليين، ولم تكن تصريحات بوتين تعني على الإطلاق أنه له الحق في استخدام القوة المسلحة كيفما يشاء.
وخارج نطاق الأنشطة الإرهابية التي تمارسها داعش في سوريا وربما في ليبيا بحكم أنه لا توجد سلطة مركزية في هذه الدول قادرة على حفظ السلم والحفاظ على أمن المواطنين، ومن المؤكد أن بوتين ومستشاريه يدركون تماما المحددات والقيود المفروضة على استخدام روسيا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

هل ترجح ما قيل حول كون الحادث مدبرا لتخويف الرئيس بوتين وسط مساعيه لتصعيد نفوذه على الساحة الدولية؟
"بوتين" بالفعل صاعد على الساحة الدولية، وروسيا لم تصبح في عزلة دولية كما أراد الغرب لها بعد فرض العقوبات الاقتصادية، ولا يجب أن نبالغ في الأسباب وراء إسقاط الطائرة في سيناء.
وفي تقديري، المسألة برمتها لا تخرج عما أعلنه الجانب الروسي، لكن علينا أيضا أن ننتظر النتائج الرسمية للتحقيقات، فلربما يكون سببها الانتقام من الضربات الجوية الروسية في سوريا دون أن يكون المقصود منها مصر بشكل خاص.

هل للتقارب بين موسكو والقاهرة في الوقت الحالي صلة بشخص رئيسيها؟
يقف وراء التعاون بين مصر وروسيا إرادة سياسية قوية متمثلة في رئيسي البلدين برعايتهما لتعزيز التعاون وترقيته في المجالات المختلفة، كما يوجد نوع من العناية الخاصة بين الرئيسين في العلاقات بين دولتيهما.

هل سبق لروسيا أن حاولت التدخل في الشأن المصري مقابل تعاونها مع القاهرة كما كانت تفعل واشنطن؟
لا... روسيا مثلها مثل مصر والصين فهي دول تقدس عدم التدخل في الشئون الداخلية للبلاد الأخرى كما أنها في الوقت ذاته تسعى إلى تحقيق مصالح معينة من علاقاتها بالدول الأخرى.

ماذا ترى من رسائل خلف إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية سوخوي 24؟ وهل كان حادثا مقصودا؟
أعتقد أنه حادث مقصود ومدبر، لكن من الواضح أن القيادة التركية لم تكن تتوقع أن تكون النتائج أو ردود الفعل على الحادث بتلك القوة والحسم اللذين جاء عليهما رد الفعل الروسي.

هل من الممكن أن يصعد الأمر إلى حد النزاع العسكري بين الدولتين؟
لا أتوقع أن يصل الأمر إلى حد المواجهة العسكرية بين موسكو وانقرة في هذا الشأن، وأعتقد أن ما اتخذ من تدابير اقتصادية وتجارية من جانب روسيا فضلا عن العودة لنظام فرض تأشيرات الدخول للمواطنين الاتراك وهي كلها إجراءات أو تدابير تعد كافية من وجهة نظر الكرملين للرد على إسقاط الطائرة، وقد تشهد الفترة المقبلة نوعا من الوساطة الدبلوماسية في اتجاه التهدئة والاكتفاء بما تم حفاظا على جوهر المصالح المشتركة بين الدولتين خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن تركيا تغطي نسبة 60% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا كما أن معدل التبادل التجاري بين البلدين يتجاوز الـ 35 مليار دولار سنويا.
وعلينا أن نشير أيضا إلى دخول البلدين مرحلة التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بالتوقيع على عقد إنشاء أول محطة للطاقة النووية لتولديد الكهرباء في تركيا بتكنولوجيا روسية في ديسمبر الماضي.

هل يعني ذلك أن روسيا ربما تتراجع عن تلك العقوبات قريبا؟ وهل يتأثر الاقتصاد الروسي بها؟
قد تسفر المساعى الدبلوماسية بين البلدين عن تراجع موسكو عن الإجراءات التي اتخذتها لمعاقبة أنقرة لكن بشكل تدريجي، وبالطبع لا يتأثر الاقتصاد الروسي بتلك العقوبات وإلا فلم تكن روسيا لتقرها.

بشكل عام.. ماذا تريد روسيا من المنطقة العربية؟
روسيا دولة كبرى، تسعى لتعزيز نفوذها أو الخروج من العزلة الدولية التي فرضت عليها بسبب الأزمة الأوكرانية، وتحاول أن تثبت للغرب أنها دولة قوية تستطيع أن تمارس نفوذا وتأثيرا خارج المنطقة الجغرافية التي يمارسون عليها بها ضغوط.

ما رأيك في التدخل الروسي بسوريا؟
علينا أن نؤكد أنه بالنسبة لسوريا، لا يجب أن يغيب عنا حقيقة أن التدخل العسكري الروسي في هذه الدولة تم بموافقة الحكومة الشرعية في دمشق ولذلك فهو يعتبر دعما للحكومة الشرعية وليس تدخلا وذلك على خلاف الضربات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا والذي لم يستأذن أو ينسق مع الحكومة في سوريا.

وهل يتخلى بوتين عن الأسد؟

الأمر برمته يتشكل بناء على مصالح معينة تدفع كل دولة لتبني سلوك بعينه، وروسيا ربما تتنازل في وقت لاحق عن مسندة الأسد إذا ضمنت أن من سيحل محله سيحفظ لها مصالحها هناك بمعنى ضمان استمرار وجودها ونفوذها في مسار الأحداث في سوريا.
الجريدة الرسمية