سوريا ومخالب الذئاب
يختصر الضمير الإنساني قوله عن الشعب السوري بأنه: زين الحياة وحافظ على تراث المشرق القديم، ليفتخر العرب فيما بعد بحضارتهم المرتكزة على علماء وصفوة أهل دمشق.. فكيف للنخوة الحضارية أن تتركه هكذا صريعا بين ذئاب تعوي داخله وضباع تحوم على حدوده تريد مهلكته؟!
والسؤال المر الذي يتحاشاه الجميع، هو: هل المعارضة كلها على قلب رجل واحد؟.. بالطبع تختلف الأيديولوجيات والإستراتيجيات والميكافليات والبراجميات والأصوليات إلى آخره، وهذا طبيعي في الظروف العادية ولكن مع وطن عريق يهدم وشعب يشرد.. فهذا ليس طبيعيا على الإطلاق، بل يمكن وصفه بالسفه والانحطاط السياسي والأخلاقي والوطني أيضا.
وعند التأمل في أجندات الوجوه التي تُعرف نفسها بالمعارضة في مؤتمر الرياض، نلحظ الصفة الغالبة على الحضور بأنهم جماعات مسلحة في المقام الأول.. ومنهم منتمون إلى طائفة الإرهاب العالمي المتأسلم، ولهم روابط وثيقة مع القاعدة، ومنهم من يُستخدم كذراع للقوى الخارجية المعادية لزعزعة الشام.
وعلى سبيل مثال المصيبة السورية في معارضتها، وجود وجوه من جبهة النصرة التابعة لغرفة الإرهاب الأكبر في القاعدة، فضلا عن المجموعات الأخرى من نوعية فيلق الشام التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وجيش المجاهدين، وجبهة الأصالة والتنمية السلفية المدعومة من الدول الخليجية، وأيضا الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وتجمع أحرار الشام، وجيش الإسلام المدعوم من المملكة السعودية، التي قد تؤهله الظروف للسيطرة على دمشق في حالة سقوط الدولة السورية.
كل تلك المتناقضات جمعها مؤتمر الرياض، كما جمع أيضا فصيل الجبهة الجنوبية للجيش الحر، ذات الصلة بغرفة العلميات العسكرية للدول الداعمة في الأردن وخلفهم الداعم الأمريكي الأكبر الذي لا يريد حلا بالأساس.. وثمة مجموعات مسلحة شمالية مدعومة من قبل غرفة العمليات العسكرية التركية.
وفي النهاية، تتفق المعارضة ومن يساندها على مبدأ (استمرار الخراب) إزاحة الأسد بالكامل، وهذا بالقطع أمر غير مقبول بالكامل؛ لأنه باختصار الأسد في مكانه وعلى الأرض ومدعوم من قوى عظمى التي تقف معه على نفس الأرض.. وما بين السطور الأوربية تلحظ ثمة هدوء نبرة الإزاحة بالكامل للأسد، بما يعني قبول وجود الأسد (لدى الأوربين) في المراحل التي تلي حل الأزمة السورية.
إذن ما معنى أن يخرج ما يسمون أنفسهم معارضة بوضع شرط لن يتم قبوله؟.. وما معنى أن تدعمه السعودية، وأن تجعل من الرياض المقر الأساسي للمعارضة؟، مع العلم أن إطالة الصراع في سوريا ليس في صالح المملكة على الإطلاق.. فضلا عن الرفض الرسمي المعلن لسياسة المملكة لكل من يحمل أجندة متأسلمة متطرفة، فكيف ترفض وجود الإخوان المسلمين في مصر وتقبل بهم في سوريا؟، وكيف تحارب داعش وكل أطياف الجماعات المتأسلمة المسلحة وتقبل بهم على مائدة التفاوض السوري؟.. أسئلة صعبة وحرجة، وعلى الكيان السعودي أن يدرك هذا قبل فوات الأوان.