رئيس التحرير
عصام كامل

وهل يجمع العرب شيئًا إلا الشتائم؟


1
عن أي أمة تبحث جحافل الدواعش لتوحدها! هكذا يكون لسان حالي دائما وأنا أتجول بين تعليقات رواد فيس بوك والمواقع التواصلية الأخرى بحثًا عن شهادة واقعية أو تفسير منطقي للتصادمات المتكررة التي تحدث بين أبناء البلدان العربية وبعضهم البعض.. خاصة عندما يكون دائما طرف الأزمة مصريًا!


وأنت تتجول بين العقول العربية على فيس بوك لا تنتظر موضوعية أو ردودا مستنيرة أو أدنى محاولة من جحافل المعلقين لفهم ما يجري بل انتظر عنصرية فجة و"شرشحة بلدي" والكل حسب ثقافته ومستوى إلمامه بأصول "الشرشحة" يبدع فيها على حده. المهم أن أغلبها يجب أن تنال من أعراض النساء وزلات التاريخ أو اختراع زلات غريبة من وحي خيالات مريضة وكأن الدولة الكبيرة من الشرق للغرب التي جمّعت العرب قديما ولا تزال حلما للدواعش ومن هم على شاكلتهم.. لم تكن أكثر من تركة انفجارية للأحفاد الذين يختزلوها في المعايرة والتبكيت وإثارة النعرات العرقية الكاذبة !

2
يمكنك أن تجلس بكل ثقة وأنت تتابع ما يحدث من سخافات بين أبناء الوطن العربى على مواقع التواصل الاجتماعي لتعرف جيدًا أننا لا نُجيد توحيد أنفسنا إلا على فقه الشتائم، نبدع فيه ونملك أصول وفنيات المعايرة ونخزنها لأول خلاف.. فهنا في أرض العرب نحفظ التاريخ عن ظهر قلب لا للتأمل أو البحث عن حلول لأزمات عالمنا المعاصر أو لاستخلاص العبر.. بل لنمتهن كرامة هذا أو ذاك ونخلق حالة من الجدل تستمر وتستمر.

وتبقى على الربابة أنشودة تعزف إزاء كل واقعة يُختصم فيها اثنان من أبناء الدول العربية لينضم سريعًا للعراك آلاف وجيوش مدججة بأفظع الشتائم وأحط التوصيفات بغض النظر عن الجاني مِن المجني عليه أصلًا !

المهم أن كل دولة وتاريخها ومستوى واقعها الاجتماعي والاقتصادي وتصرفاتها السياسية حاليًا تبقي من عناصر الحسم والغلبة في توجيه أبنائها لحفلات السب والتحقير الجماعي لأبناء البلد الآخر على وسائل السوشيال ميديا التي باتت خير مُعبر عن مستوى الثقافة العربية والترمومتر الحقيقي لما تكنه الشعوب العربية لبعضها البعض!

3
من بين مئات حوادث الاعتداء والمشاجرات التي تحدث لا بد وأن يدهشك أن تعاطف العرب مع أي انتهاكات تخص أبناء الدول الأخرى على أراضيهم يقتصر فقط على مدى استكانة الطرف الأضعف وقدرته على الصبر طويلا في تحمل الإهانات والشتائم والبذاءات.. والضرب في أغلب الأحوال !

ولو تأملنا في حوادث الاعتداءات المتكررة على المصريين مثلا باعتبارهم أكثر من يتم الاعتداء عليهم واستهدافهم في الدول العربية، سنجد أن حملات التعاطف معهم من أبناء الدول الأخرى خاصة البلدان التي يحدث فيها الاعتداء تكون مقرونة بمستوى ثبات المصري في تحمل سخافة وأمراض وتجبر من يعتدي عليه.

فحادثة اعتداء النائب الأردني وإخوته على العامل المصري، الذين وجهوا له عشرات الصفعات دون أن يحرك ساكنًا، أثار تعاطف أبناء الأردن، وأطلقوا حملات لمحاسبته حتى تحركت المملكة الأردنية وألقت القبض على النائب وإخوته ولا أحد يعلم مصيره الآن.

والشاب السعودي الذي ظهر في الأيام الماضية بفيديو من تصويره.. بل هو الذي نشره بتجبر على وسائل التواصل ويتفنن فيه في إذلال شاب مصري وتحطيم سيارته وإطفاء السجائر في عظامها دون أن يحرك المصري ساكنًا، كان ذلك السبب الوحيد لتدشين هاشتاج من السعوديين يطالب بمحاسبته على استكباره في الأرض الذي لم يثبته إلا استكانة المصري وعدم رده عليه خوفًا على أكل عيشه حال مبادلته الاعتداء بالمثل.

ولا تعرف كيف كان سيصبح مصير المصري وحجم التعاطف معه لو لم يظهر بهذه الطريقة.. وبادل السعودي اعتداءً باعتداء!

يشغلني دائما أن العرب وحدهم دون سائر خلق الله تحركهم أحقادهم التاريخية على بعضهم البعض، تقف حائلا أمام وحدتهم، تمنعهم من المضي قدمًا في إيجاد آليات جديدة معاصرة لربط الماضي بالحاضر ومسايرة سنن التطور الطبيعي والتعلم على الأقل من المجتمعات المتحضرة التي شنت حروبًا مدمرة على بعضها في السابق، لكن لا يجمعهم حاليًا إلا مصالح الشعوب ورفاهيتها!

طوال متابعتي لهذه الظواهر الشاذة لا يعتصر عقلي إلا سؤال واحد، بعيدًا عن الروايات التاريخية المكتوبة بأقلام المفكرين والمنظرين والساسة والفقهاء، ومن لديهم إجادة تسطير الكلمات.. ماذا كان يجمعنا في السابق على أرض الواقع حتى أصبحنا الآن على ما نحن عليه؟!
الجريدة الرسمية