رئيس التحرير
عصام كامل

مصر والإرهاب والعالم!


أخيرا استيقظ العالم، أو هكذا يبدو، لمحاولة خلق مواجهة فاعلة لظاهرة العنف والإرهاب الذي تشير التوقعات إلى إنه بات قاب قوسين أو أدنى من أن تتكرر جرائمه في عدد من عواصم الغرب!


الصحوة العفوية من العالم الأول ضد الإرهاب، وأظنها مؤقتة، جاءت بعد أكثر من ثلاثة عقود ويزيد، تمكن الإرهاب خلالها وتغلغل وأرهق العديد من بلدان العالم المصنفة نامية أو فقيرة، ومنها مصر، جاءت هذه الصحوة-المشكوك في استمرارها وجدواها من جانبي على الأقل-رغم أن كثيرا من الدول التي انتفضت وأعلنت المشاركة في الصحوة ضد الإرهاب متورطة بشكل أو بآخر في دعم وتمويل وإيواء وتحريك الكثير من التنظيمات والكيانات الإرهابية طوال العقود الماضية، وهذا ما أكده الرئيس الروسي في تصريحاته التي أدلي بها على هامش قمة العشرين الأخيرة، والتي قال فيها بعبارات واضحة إن 40 دولة من دول العالم تمول التنظيمات الإرهابية، ومن بينها دول مشاركة في قمة العشرين التي كانت لا تزال فاعلياتها مستمرة في العاصمة التركية أوائل هذا الأسبوع!

أربع موجات إرهابية شديدة التأثير أشعلت النيران في مصر خلال العقود الثلاثة الماضية، بدءا بحادث اغتيال الرئيس السادات في حادث المنصة سنة 1981، الذي أحاطت به تداخلات غامضة حتى اللحظة، والتي رغم عدم توافر أية تأكيدات أو معلومات واضحة، إلا أن نظرية المؤامرة وراء هذا الحادث أمر لا يجب مطلقا تجاوزه وإغفاله!

وفى عقد التسعينيات كانت الموجة الثانية من حوادث العنف والإرهاب التي أشعلت النيران في مصر، هذه الموجة خُطط لها بعد تمام الإجهاز على الاتحاد السوفيتي القوة العظمي المنافسة خلال ما يعرف بفترة الحرب الباردة، وتم تنفيذ هذه الموجة بأيدي عناصر من تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد المصريين بعد عودتهم من أفغانستان، ولكن كان التمويل والدعم المادي والمعنوي من الخارج، وبالأساس من عواصم وحكومات وأجهزة مخابرات غربية وأوربية، من بين هذه الدول وأجهزة مخابراتها ما سهل الإقامة والتنقل والإيواء للعناصر القيادية لهذه التنظيمات بدعاوي احترام حقوق الإنسان ومواجهة الاضطهاد السياسي، ومن هذه الدول من قدمت الدعم اللوجستي والتقني والمادي للعناصر الإجرامية، ودامت هذه الموجة حتى منتصف عقد التسعينيات بعد أن تكبدت مصر خسائر بشرية ضخمة من مواطنيها وزوارها، إضافة إلى خسائر مادية واقتصادية ليست بالقليلة !

ورصدت أجهزة الأمن والمعلومات المصرية في أوقات سابقة ومتزامنة مع الموجة الثانية من الإرهاب على مصر اتصالات وتدخلات من عناصر أجنبية داخل وخارج مصر، مع بعض أعضاء تلك التنظيمات الإرهابية، وكانت مقار بعض السفارات الأجنبية في القاهرة أماكن للعديد من تلك اللقاءات وإبلاغ التكليفات وتقديم التيسيرات، ومع نجاح أجهزة الأمن المصرية في بناء قاعدة معلومات واقعية وبتعاون كافة فئات الشعب المصري أمكن للدولة المصرية القضاء على تلك الموجة الإرهابية، ولكن بثمن كان باهظا، ورغم أن أجهزة الأمن المصرية وبناء على قاعدة المعلومات الكاملة أمدت نظيرتها الأمريكية بمعلومات مهمة أفادتها في كشف العديد من أسرار الحوادث التي تعرضت لها بعض مدن الولايات المتحدة، ومنها حادث تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، إلا أن أجهزة الأمن الأمريكية سارت في غيها وتجنيدها ودعمها للعناصر الإرهابية، وفى ذات الوقت كانت أجهزة الأمن البريطانية تفرض حمايتها ودعمها للعناصر القيادية في العمليات الإرهابية، وتغافلت الحكومة البريطانية عن الاستماع إلى التحذيرات المصرية والدولية من أن الحفاظ على حقوق الإنسان لا يعني تقديم الدم المستتر للعناصر التي تستهدف حياة الأبرياء في كل مكان.

ورغم السيطرة التي حققتها أجهزة الأمن المصرية في منتصف التسعينيات إلا أن وقوع حادث الأقصر الدموي سنة 1997 والذي لا تزال تداخلاته غامضة حتى اللحظة، أكد أن استمرار نظرية المؤامرة.

أما الموجة الثالثة للإرهاب فقد شهدتها سيناء من خلال سلسلة حوادث التفجيرات التي في الأعوام 2004، 2005، 2006 في مدن طابا وشرم الشيخ ودهب على التوالي، ورغم أن العاصمة البريطانية لندن شهدت يوم السابع من يوليو 2005، وقوع سلسة من حوادث التفجيرات إلا أن الحكومة البريطانية، تغافلت عن خطورة استمرار سياستها الاحتوائية للعناصر الإرهابية، ورغم أنه تبين أن مدبر تلك التفجيرات هو شاب إنجليزي الجنسية باكستاني الأصل!

أما الموجة الرابعة والأخيرة من الحوادث التي شهدتها مصر، فهي تلك الموجة التي تزامنت وأعقبت قيام الشعب المصري بالإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في ثورة الثلاثين من يونيو 2013، بعد بأسابيع قليلة حذر قائد الجيش المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي من الإرهاب القادم وطلب تفويضا من الشعب، لمواجهة هذا الإرهاب المحتمل، وهو ما حدث ولا يزال المخطط مستمرا للنيل من مصر، وربما تختلف هذه الموجة الإرهابية عن سابقتها بأن نظرية المؤامرة واضحة فيها وضوحا كاملا بمشاركة العديد من الدول والكيانات، واختار المصريون عبد الفتاح السيسي رئيسا لهم، بعد هدم مخطط الإخوان ومعاونيهم، ونجحت قوات الجيش والشرطة في النيل من المخطط الإرهابي، ولا تزال الجهود جارية للقضاء على هذا المخطط تماما، ورغم تكرار التحذيرات المصرية للعالم من خطورة الإرهاب طوال العامين الماضيين إلا أن العالم تغافل ولم ينتفض إلا بعد حوادث الإرهاب بباريس، وأتمني أن تكون انتفاضة حقيقية.
الجريدة الرسمية