رئيس التحرير
عصام كامل

خبيرة اجتماع سياسي عن هجمات باريس: الدعوة لخروج المسلمين من فرنسا «عنصرية مقيتة».. طبول الحرب لن تنهي الإرهاب وعلى الغرب مراجعة نفسه.. والدول العربية لم تفعل ما يكفي لمواجهة داعش فكريا وديني

فيتو

وجه البعض في العالم العربي انتقادات للغرب؛ بسبب ردود أفعاله المتباينة عند المقارنة بين هجمات باريس وما حدث قبل يوم في بيروت أو ما يجرى في العراق وسوريا، إنها اتهامات بمواقف الكيل بمكيالين.


وكالة الأنباء الألمانية دويتش فيل عربية، حاورت الدكتورة نهلة الشهال، أستاذة علم الاجتماع السياسي في باريس، وسألتها عن صور الحرب والإرهاب في الشرق الأوسط وأوربا، وعن مسئولية العرب والغرب تجاه ما يحدث.

* رد الفعل الأوربي على هجمات باريس كان مختلفا تماما عن رد الفعل تجاه الهجوم على بيروت في منطقة برج البراجنة والضربات المستمرة في لبنان، والعراق، واليمن، وسوريا ومصر، الاتهامات الموجهة للغرب: الكيل بمكيالين، ما رأيك في ذلك؟

أولا ليس كل يوم يجب الحديث عن اكتشاف مركزية أوربية، فهي في أصلها معطى استعماري، أي معطى مرتبط بالاستعمار، وهناك مركزية أوربية مؤكدة تجعل من الضحية في أوربا كائنا أهم، كيفما كان شأنه، مثلا في باريس كان الضحايا شبان مميزين وهو أمر فظيع نهاية الأمر، لكنهم أيضا ضحايا.

مات في غزة مثلا في الهجوم الإسرائيلي - وليس بتفجيرات داعش - أكثر من 1500 ضحية، طبعا تم استنكار ذلك، لكن التأثر مما حدث في باريس مختلف؛ لأننا نوجد في مكان مركزي من العالم، إنها مسألة المركزية والأطراف، هذا ما أقصده بالمعطى الاستعماري، لكن لا يجب أن نتفاجأ، فنحن بلا شك في قلب منطقة مضطربة ومتقلبة، وبكل الصفات التي نعرفها، لكن الغربيين يشعرون – سواء كانوا محقين أو غير محقين في ذلك - بأن الأمر في نهاية المطاف لا يخصهم، لكن الحريق وصل إلى أوربا ولذلك هم متفاجئون، وردود الفعل التي تهمني أكثر هي مسألة التعاطف العالمي مع غربيين يقعون ضحايا؛ حيث إن ردة الفعل الغربية متفاوتة جدا بالمقارنة مع من يسقط منا، كما لاحظنا.

* وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون در لاين قالت إن داعش نشأ في العالم العربي، والعالم العربي هو الذي يمكنه القضاء على داعش، هل ذلك ممكن؟

أنا لا أعرف في الحقيقة حيثيات هذا التصريح، هل تقصد أن أوربا والغرب إجمالا، لا دخل لهم ولا يجب أن يتدخلوا وتحمل تبعات داعش وأشباهه للعالم العربي؟، لكني سأعلق عليه.

صحيح أن داعش نشأ في المنطقة العربية، لكنه لم ينشأ من فراغ، هو نشأ بناء على معطيات محددة، منها العدوان المستمر على العالم العربي، منه العدوان العسكري والعدوان الاقتصادي، نحن نعلم أن تنظيم داعش هو تطور من القاعدة، حالة انشقت عن القاعدة بناء على احتلال الأمريكيين للعراق.

في عام 2004 و2005 حصل نقاش عنيف داخل القاعدة أدى إلى خروج هذه المجموعة التي راحت تعتبر أن المواجهة مع الأمريكيين غير كافية، وتطورت مفاهيم خاصة بها، هل يمكن أن نعزل الوقائع التاريخية ونأخذ كل واحد منها بصفتها منطلقا؟، نحن في منطقة بغاية البؤس ولا أحمل سوانا بؤسنا، لكن بلا شك أن غيرنا يتحمل مسئولية كبيرة لما آلت إليه أوضاعنا، كما نتحمل نحن مسئولية كبيرة.

* أي نوع من الدعم الغربي يحتاجه العالم العربي للقضاء على داعش؟
أولا على المستوى السياسي هم بحاجة لأن يشعروا لمرة واحدة بأنهم مدعومون، الأنظمة لا أناقش في مواقفها، لكن إجمالا الأجواء القائمة في المنطقة. على صفحات التواصل الاجتماعي مثلا كان هناك شيء استفزازي، كلام من أناس ليسوا أشرارا، لكنهم قالوا: فليذوقوا ما ذقناه نحن، هذا عيب وهذا عيب كبير، فإما أن يطلع الفرد من شريطه الخاص لمشاهدة المشهد بأكمله أو أنه يعيد إنتاج هذا المشهد مرة أخرى.

لكن على المستوى العام، يجب أن تنتهي أجواء التعالي والعنصرية وملء المواقف، وأن يحدث مثلا تضامن حقيقي، في المسألة الفلسطينية مثلا التي هي فضيحة، وداعش وغيره يستغلونها في نهاية المطاف، لكن على المستوى العسكري والميداني؛ للقضاء على داعش، وهذا ليس رأيي فقط بل حتى رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان، خرج بتصريح مهم يقول فيه إن القضاء على داعش لن يتم بمنطق الحرب، قال نحن لسنا في الحرب وإن كنا في حرب ضد الإرهاب فهي حرب خاسرة، ويجب أن نجد وسائل سياسية واقتصادية واجتماعية أخرى لمحاصرة داعش والقضاء عليه، وحقيقة هو أن القصف من بعيد عمل استعراضي، وما رأيناه حتى اليوم لم يؤد إلى وقف داعش ولا القضاء على القاعدة.

* تحدثت عن الكراهية المنتشرة ضد الغرب والموجودة في عالمنا أيضا، هل تفعل الدول العربية ما يكفي لمواجهة تنظيم داعش، فكريا ودينيا؟ 

أظن لا، ما كان لتنظيم داعش أن يصبح قويا لولا الدعم والتغاضي من أطراف كثيرة من الدول، والأهم من الدعم والتغاضي هو أن الأساس الفكري لداعش متوفر في مفاهيم سائدة، وتتبناها دول عربية، وأقول إن هناك استنفارا طائفيا مقابلا، بعد يوم من حادثة برج البراجنة خرج شبان إلى الشارع يتحدثون بمنطق مذهبي وبشع ولا مكان له من الإعراب في تلك اللحظة، وحتى لو كان من قام بالتفجير من السنة، وفي حالة فلسطينيين من المخيم القريب، فهذا لا يعني أنك تدين الطرف الآخر، أنا لا أقبل أيضا بالدعوات العنصرية في فرنسا، التي تقول إن على المسلمين أن يتخذوا موقفا وتدعو المسلمين الفرنسيين للذهاب خارج البلاد، هل طُلب من البوذيين أن ينزلوا للشارع عندما جرى الاعتداء من قبل بعض البوذيين على الأقلية المسلمة من الروهينجا في بورما؟، هذا لم يحدث، لم يحدث مثلا أننا طلبنا من المسيحيين أن ينزلوا للشارع لاستنكار ما قام به بوش وجماعته، الذين كانوا يتحدثون جزئيا بمنطق ديني، لم يحدث أن حدثت مثل ردود الفعل تلك، وأعتقد أن مثل ردود الفعل هذه تستعمل في تجريم الناس الذين هم ضحايا تنظيم داعش أساسا، قبل أن تكون فرنسا أو الغرب ضحايا داعش.

* في الغرب يجرى الحديث عن حرب، هل نحن على أبواب حرب بين الحضارات والأديان بسبب داعش؟

هذا ليس منطق هنجتون في صراع الحضارات فقط، بل منطق الفسطاطيين لابن لادن أيضا، أن تقول إننا في حرب وإن العالم مقسوم هو منطق يغذي القاعدة، وداعش وما يشبههم، لا، إذًا نحن في حرب فهي حرب متعددة الجوانب وقديمة، ولم تولد البارحة حين حدث الهجوم على باريس، هي حرب استعمارية بالأول واستغلالية ثانيا، ثم أنا لا أعتقد أن منطق الحرب وقرع طبول الحرب يفيد بشيء، يجب مراجعة النفس سياسيا وفكريا واجتماعيا، هذه مهمة مطروحة على العرب والمسلمين، وقد حان الأوان الآن، لكنه مطروح أيضا بسبب التعالي الغربي؛ لأنه لا يولد المزيد من المشاكل.
الجريدة الرسمية