أحقاد الأغبياء
في أوائل عشرينيات القرن الماضي، كان الناس في مصر يتعايشون في طبقات متباعدة.. أصحاب القصور وسكان الحارات كل في طبقته يتعايشون مع بعضهم.. فقراء يعملون لدى الأغنياء بطريقة تبادل المنفعة، وكل طبقة كانت تحترم الطبقة الأخرى، والسلام والأمان كان يسود الجميع.
إنما اليوم وقد تماست كل الطبقات وظهر الحقد على وجوه الناس، فما عاد الجاهل يحترم المثقف، وأصبح الناس جميعا يشكون في بعضهم البعض، ويحقرون بعضهم البعض، وأصبحنا نرى الفقير يجهر بحقده على الغني، معلنا أن الأخير لص سرق قوته، غير ملتفت كم دفع هذا الغني من جهد وعرق حتى أصبح هكذا؟.. وكم دفع المثقف هو وآباؤه حتى ينشئونه على الأدب والعلم، للدرجة التي أصبح الأدب والعلم كجلد جسده، لا يمكن الاستغناء عنه فيحقد من فقد الأدب عليه، محاولًا إنزاله إلى مستنقعه القذر.
وانتشرت العدوى في المجتمع بالكامل، فالكل يحقد على الكل، وأصبحنا جميعا سجناء في حجرة مظلمة، لا يرى أحدنا الآخر، نتشاجر على أتفه الأسباب، وماعدنا نستطيع التفرقة ما بين الأبيض والأسود والجاهل والعالم والأمين واللص واختلط الحابل بالنابل.
وبعد ثورة يناير غرق ما تبقى من حدائق الأدب، فنعيش الآن في مستنقع كبير، وتعودنا على رائحته، والكارثة أننا أسقطنا فشلنا على الحكومات المتعاقبة، متناسين أن سلوك الحكومات ما هي إلا مرآة لسلوك مواطنيها.. فلا تقارنونا بدول العالم المتقدم ولا بدول نسمع أنها بدأت معنا.. فثقافة شعوبهم هي ما أوصلتهم إلى ما هم عليه الآن.. وليغضب من يغضب.. ولكنها هي الحقيقة، فالأسباب والمجادلات والحلول لا يكفيها مقالة، بل مجلدات وثورات أخلاقية وعلمية وثقافية تتبناها الشعوب وتنفذها الحكومات.
ولا مهرب من هذا إلا أن تحتضن نفسك، محاولا الحفاظ على ما تبقى لك من عقل وقلب.. لأنه أصبح الجهر بالقبح والإرهاب دينًا، وهدم الوطن شريعة، وأصبح للقتل والتدمير باسم الدين.. فهل ممكن في ظل هذا الخراب الأخلاقي أن تتقدم مصر، وإن تقدمت ستتقدم إلى أين؟.. والدمار يحيط بنا من كل جانب، والحاقدون متربصون لها ولأنفسهم.
كنت أود أن أنسج خيوط الأمل، ولكني لا أستطيع أن أكتب إلا ما يشعر به قلبي ويمليه عليَّ عقلي.. أتمنى أن أكون مخطئا.
فلنا الله جميعا وحماك الله يا مصر..