الحل هو الحل!
بعد القبض على المهندس صلاح دياب رجل الأعمال مؤسس جريدة المصري اليوم، اشتعلت الأزمة التي كان لا بد لها أن تشتعل، وهي علاقة رجال الأعمال ملاك المؤسسات الإعلامية بالإدارة التحريرية في هذه المؤسسات.
وللحقيقة.. لا أرغب هنا في هذه المساحة أن أتناول بالتعليق مسألة القبض على المهندس صلاح دياب وأسبابه، سواء كان بسبب حيازته لأسلحة نارية-بحسب تحقيقات النيابة-أو كان بسبب التحقيقات التي ينسب له فيها مخالفات تتعلق بمساحات الأراضي المخصصة له من الدولة هو وآخرين- بحسب النيابة العامة التي سبق وأن أمرت بالتحفظ على أمواله وعدد من شركائه على ذمة هذه القضية- ولا أرغب أيضا في التعليق على ما يقال من عديدين في الوسطين السياسي والصحفي من أن القبض على الرجل تم للثأر منه، بسبب مواقف جريدة المصري اليوم، لا أرغب أيضا في التعليق سلبا أو إيجابا على نشر صور له ونجله مكبلين بالكلابشات بعد القبض عليهما.
وأوضح أن دافعي للالتزام بعدم التعليق على كل هذه الأمور هو احترامي لأجهزة التحقيق وعدم المساس بحقها في أن تتبين الحقائق الأكيدة وراء كل ما جري، وأن تصدر وبالقانون كل ماتراه من الإجراءات الكفيلة بإعطاء كل ذى حق حقه، سواء الدولة التي نتمني ألا تتهاون في تتبع أي حق ضائع لها واسترداده، لأنه وفى النهاية هو حق للشعب، أو المهندس صلاح دياب الذي لايرضى أحد أن يتم المساس بكرامته الشخصية، حتى ولو كان منسوبا له ارتكاب بعض الوقائع محل التحقيق.
أرغب أن ننظر للأمام ونستشرف أو نتوقع أن أزمات مشابهة من هذا النوع ستتكرر مستقبلا وربما بشكل أعنف، خصوصا مع التداخلات والتناقضات الكثيرة الحادثة في العلاقات بين رجال السياسة والمال والإعلام، والتي أراها علاقات-ودون سوء نية-ليست سوية ولا تستقيم مع المعايير الحاكمة للمجتمعات التي ترغب في أن تنهض وتتقدم بشكل صحي يضمن للممارسة السياسية بلوغ مرحلة النضج، ويضمن الازدهار للوضع الاقتصادي ويحقق الإعلام الدور المنوط به، فالحادث بالفعل أن هناك تدخلات من ملاك المؤسسات الإعلامية في الأمور التحريرية بالمؤسسات التي يملكونها، وهذا الكلام ليس رجما بالغيب أو استنتاجا مني، ولكنه أمر اعترف به غالبية ملاك هذه المؤسسات، وغالبيتهم صرح في مقابلات صحفية وإعلامية إنه يتدخل في الأمور التحريرية في مؤسسته..
وللدقة فإن الدوافع التي أعلنها غالبية رجال الأعمال ملاك المؤسسات الإعلامية لتبرير التدخلات في الأمور التحريرية كانت للصالح العام، وهنا أؤكد مرة أخرى أنني سأخذ هذا الأمر بحسن النية، بعكس ما يقول به كثيرون، وعلى الرغم من هذا فإني أري وأعتقد أن هذه التدخلات يجب أن تنتهي، ويجب أن نفصل وفورا الملكية عن الإدارة التحريرية وبضوابط قانونية واضحة وعاجلة، لإني أعتبر أنه ومهما خلصت نوايا ملاك المؤسسات الإعلامية، فإن خبراتهم تتركز في إدارة المؤسسات الاقتصادية وإجراء وتنفيذ الصفقات التجارية، وليست في إدارة المؤسسات الإعلامية، خصوصا وأن التقييم المنصف العادل لأداء غالبية مؤسساتنا الإعلامية لا يسر عدوا ولا حبيبا، ولا مجال لتصويب أدائه، إلا بتطبيق المعايير والقواعد المتعارف والمتفق عليها والمعتمدة والمنفذة في الدول التي تتنافس فيها المؤسسات المختلفة وصولا للأحسن.
ومن هنا فإنني أري أن حل هذه المشكلة، والتي قد تخلق أزمة كبيرة مستقبلا، لن يكون إلا بحل الارتباط بين الملكية والإدارة في المؤسسات الإعلامية، والمسألة لا تحتاج ابتكار أو استحدث قواعد أو أسس، فالأمور المنظمة واضحة ومحددة وماعلينا فقط إلا أن نقرها في صورة تشريع أو قانون ونفعلها.
بالمناسبة.. ما أطالب به للمؤسسات الإعلامية المملوكة لرجال أعمال، أطالب به أيضا للمؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة، فلابد من الإسراع بتحقيق فصل تام بين الملكية والإدارة التحريرية في هذه المؤسسات، خصوصا وأن ما يحدث من تجاوزات في معظمها لا يقل بحال من الأحوال عن التجاوزات التي تحدث في المؤسسات الإعلامية الخاصة.