رئيس التحرير
عصام كامل

وتحول إلى سيرك يشوه كل شيء!


إذا كان النظام السياسي - أي نظام - في حاجة إلى معارضة قوية تشعل المنافسة وتحيي موات السياسة، فإن حاجته إلى إعلام قوي يبرز نجاحاته لا تقل أهمية عن وجود تلك المعارضة، ومن ثم فلا مناص من اتخاذ خطوة سريعة وشاملة لإنقاذ إعلام الدولة، رمانة ميزان الرأي العام، وسند الحكومة والشعب في مواجهة إعصار المال الخاص والأجندات الخارجية.


لم يكن متصورًا أن يتحول إعلامنا من وسيلة تنوير وبناء إلى وسيلة تعمية وإلهاء، واقتحام الخصوصيات الذي بلغ ذروته في تناول واقعة "فتاة المول".. وهو ما يجسد غياب التقييم الموضوعي لما تبثه الفضائيات، والأهم غياب الضمير، وحضور الانفلات والتمادي في الضلال!!

وإذا كان الدستور قد أوجب ضرورة بناء منظومة إعلامية أكثر حرية ومهنية، بما يتسق وروح ثورتي يناير و30 يونيو، اللتين طالبتا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. فكيف يمكن للشعب أن يحقق شيئًا من ذلك وهو مغيب العقل، مشوش الوجدان، مختل الرؤية، بفعل إعلام عشوائي يسير على غير هدى من معايير أو أخلاقيات مهنية؟

إعلام انتهك قيم الحرية حين أساء استخدامها، وبدلا من أن يصنع أملًا أو بهجة أو رأيًا عامًا واعيًا بواجباته وحقائق ما يجرى حوله، تحول إلى سيرك يبدد الحريات ويقتل الإبداع ويشوه مكاسب الثورة، وفي القلب منها حرية الرأي والتعبير والصحافة.

وبنظرة فاحصة لتجارب الدول العريقة ديمقراطيًا، نجد أن عماد نهضتها تعليم هادف وإعلام حر موضوعي، وقضاء مستقل وديمقراطية رشيدة، تستند لركائز عديدة أدناها صناديق الانتخاب، وأعلاها تمكين الشعب من حقه في الرقابة والمساءلة وامتلاك الوعي والإرادة والقدرة على النقد والمفاضلة والاختيار الرشيد.

وإذا نظرنا مثلًا لمشهد الانتخابات البرلمانية، نجد أن الإعلام مارس دورًا سلبيًا أسهم ضمن عوامل أخرى، في صرف الناس عن التصويت حين شوه صورة البرلمان المقبل، وجعله إما معارضًا للرئيس يعوق حركته وإما منقادًا إليه موافقًا على كل ما يرضيه؛ استباقًا وقفزًا على نتائج جاءت خلافًا لهذه التوقعات المتسرعة.

في الدول المتحضرة، إعلام يمارس دوره بحرفية وانضباط لا يحيد عنهما، وإذا فعل وجد الردع القانوني في انتظاره، وانصرف عنه الجمهور الواعي وأسقطه بالقاضية، وهو ما ساعد تلك الدول على النهضة، ووفر لها بيئة قادرة على النجاح والإبداع والانحياز للأولويات الوطنية.

كان المأمول أن يتعلم الإعلام الدرس من ثورة يناير، وأن ينحاز للمواطن وللدولة، لا المصالح الفئوية الضيقة ولا المكاسب الشخصية الزائلة، وأن يعلي قيم العدالة والتنوير ويحفز الجماهير ويوعيها، لا أن يتحول لسلعة لمن يدفع أكثر.. والسؤال هل نحن مستعدون الآن لإصلاح مسار الإعلام؟.. والأهم هل نملك إرادة التغيير ومقوماته استلهامًا لتجارب النجاح في دول ناضجة إعلاميًا وديمقراطيًا؟.. ولماذا تأخر صدور قوانين الإعلام والصحافة التي نص عليها الدستور؟.. ومَن المسئول عن تأخيرها؟.. وهل الجماعة الصحفية والإعلامية قادرة على تفعيل مواثيق شرف المهنة؟!
الجريدة الرسمية