رئيس التحرير
عصام كامل

رأس السنة المصرية

فيتو

يقول الشاعر الإنجليزى إليوت فى قصيدته "الأرض اليباب" إن أبريل هو أقسى الشهور لأنه يمزج الذكرى بالرغبة، لكن يناير المصرى الذى يحمل اسم طوبة فى التقاويم المصرية القديمة قد لا يكون أقسى شهور العام رغم برده الشديد.


التاريخ يتدخل أحيانًا لتغيير إيقاعات الفصول ومنسوب الحرارة والبرودة فى لياليها، ومنذ يناير عام 2011 أصبح الشتاء المصرى أكثر دفئًا لكنه الآن يتحول إلى شتاء لاهب، فالبرد لا يعوق الناس على المكوث حتى الفجر تحت سماء عارية، والسجال يشتد بحيث يتطاير منه الشرر فى الميدان ولم يعد الشر رمزيًا أو مجرد مجاز لغوى.

فقد شهدت ليالى القاهرة التى اشتهرت بالسمر والحياة نيرانًا كثيفة، وسحابات من الدخان حجبت القمر والنجوم وأوشكت أن تحجب الأفق أيضًا سواء كان ذلك فى حريق الكتب التى لا يكف رمادها عن النشيج أو حرائق النفوس التى تكابد انتظارًا يقول البعض من الأقل تفاؤلًا إنه عقيم.

ويخطئ من يتصور أن مصر فى الحقب الثلاث التى استغرقت ستة عقود بدءًا من الحقبة الناصرية مرورًا بالحقبة الساداتية وأخيرًا الحقبة المباركية كانت تعانى من بطالة سياسية، أو حالة من الركود والاستنقاع، ومن عاش فى مصر بعضًا من تلك الحقب لا بد أنه شهد عن كثب حراكًا سياسيًا ما كان ليهدأ إلا ليبدأ من جديد، وإن كانت المرحلة الناصرية هى الاستثناء إلى حد ما، حيث كان حراك السلطة ينوب عن حراك الشارع، لكن ليس رغمًا عنه، بل بإرادته لأن ملايين المصريين الذين يدينون بالعرفان لثورة يوليو التى علّمت وكست وحمت من خوف وجوع، شعروا بأن حروب تلك الفترة سواء كانت فى التأميم أو ترميم الوجدان القومى كانت من أجلهم، وهذا لا يعنى بالضرورة أنه لم يكن هناك متضررون سواء كانوا من الإقطاع الاقتصادى والزراعى الذى أفرز إقطاعًا سياسيًا أو من ذوى المآخذ على ضيق مساحة التعبير أو ما يسمى الديمقراطية الناقصة.

إن ما سمعه العالم من شعارات فى يناير قبل عامين، سمعناه قبل أكثر من عشر سنوات فى مظاهرات “حركة كفاية”، وفى الحراك الراعف ضد احتلال العراق، لكن الكثافة الديمغرافية فى بلد يعيش أهله على أربعة فى المئة فقط من مساحته قد لا يتيح لمشاهد من ذلك الطراز أن تبدو بوضوح، خصوصًا أن الميديا سواء كانت محلية أو دولية لها استراتيجيات وحسابات فى الإضاءة والتعتيم.

كانت القاهرة والمحافظات النائية فى الجنوب الدافئ ملاذ الباحثين عن شتاء حميم وعن ليالٍ لا ينام قمرها ونجومها فى العاشرة مساء شأن معظم العواصم. لكن ما يشغل العرب الآن هو مصر السياسة لا السياحة فهم يتابعون على مدار اللحظة لا الساعة فقط ما يجرى فى بر مصر لأنها إن انكفأت على شجونها تغير شىء كبير فى المنطقة التى طالما عولت عليها وإن انفرجت واستعادت دورها وقوتها الناعمة تصل العدوى على الفور إلى شقيقاتها.

ما يثير الهلع على مصر ليس هذا الاشتباك السياسى الذى لابد أن يفك ذات يوم فهو الثمرة البكر أو القطفة الأولى بكل فجاجتها ومرارتها لحراك تأجل كثيرًا عن موعده. ما يشعر العرب بالهلع على مصر هو اليأس الذى قد يتسرب إلى الناس إذا اكتشفوا أنهم يراوحون بين الرمضاء والنار وبين السيئ والأسوأ، وبالتالى يعزفون عن ترديد شعارهم الأثير الذى اقترن ببطل قومى هو مصطفى كامل الذى قال “لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس”.

وإذا شعر الملايين ممن علقوا آمالهم على التغيير أنهم يستبدلون شهاب الدين بأخيه فإن الإحباط سوف يتسلل إلى دواخلهم، لهذا يتضاعف العبء سياسيًا وأخلاقيًا إضافة إلى الاقتصادى على من يتولون إدارة البلاد والعباد فى أرض شرّش الصبر فى باطن ترابها ومائها.

الجريدة الرسمية