رئيس التحرير
عصام كامل

حتى لا نظل أسرى للصندوق القديم!!


مهمة الحكومة - أي حكومة - أن تكون خادمة للشعب لا متعالية عليه، متجاهلة لآلامه وتطلعاته، ساهرة على راحته وأمنه لا تتركه فريسة للغلاء وهواجس الخوف على المستقبل.. ولن تنجح الحكومة إلا إذا تحلت برؤية سياسية علمية تحدد جدولًا زمنيًا للإنجاز.. تحدد فيه ما المطلوب فعله بدقة.. وكيف سيجرى تنفيذه.. وكيف تقيس رضا المواطن عن أدائها.. وأن تستحدث إدارة في كل وزارة ومحافظة تتوقع الكوارث وتضع الخطط وتطرح البدائل الدينامية والحلول العملية للمشكلات المزمنة والملفات المتعثرة، وأن تعتمد منهج الإفصاح والشفافية وسرعة التجاوب مع الرأي العام والتفاعل مع ما يطرحه الإعلام الجاد من قضايا ومشكلات جماهيرية.


ينبغي لحكومة شريف إسماعيل أن تضع نظرة الشعب وتقييمه لأدائها، والأهم رضاه عن هذا الأداء نصب أعينها، وأن تتخذ من مؤشراته أداة لتعظيم الإيجابيات وتفادي السلبيات؛ حتى لا نظل أسرى للصندوق القديم، نعاني انفصامًا مزمنًا بين الحكومة والشعب، يقودنا لضيق الأخير وسخطه على أداء حكومته.. وكان مرجوا أن يتغير الأمر بعد الثورة وأن تتبدل الجفوة بين الطرفين إلى تواصل وتفاعل ورضا، وأن يصبح الشعب بؤرة الاهتمام وغايته.

وبما أن شيئًا من هذا لم يحدث فإن السؤال المنطقي: لماذا لم يحدث ذلك.. وهل لغياب الشفافية والمكاشفة في مخاطبة الرأي العام فيما يتعلق بأخص خصوصياته.. لماذا مثلًا لم تعلن الحكومة أسباب خفض قيمة الجنيه مرتين متتاليتين أمام الدولار؟.. لماذا تعمل المجموعة الاقتصادية بمعزل عن محافظ البنك المركزي أو العكس؟.. فماذا تتوقع الحكومة من الشعب؟!

هل يصدقها وهو يحسبها تستخف به ولا تقيم لرأيه العام وزنًا فيما تتخذه أو تتراجع عنه من قرارات تخصه بالأساس؟.. هل تملك الحكومة برنامج عمل وخارطة طريق لعلاج عجز الموازنة وتفاقم الدين المحلي وتآكل الاحتياطي الأجنبي بدرجات غير مسبوقة وغير مأمونة؟.. وكيف ستتعامل مع تداعيات الاستقطاب والانقسام الذي يكاد يمزق أوصال المجتمع التي ظهرت بوضوح في ضعف الإقبال على الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الأولى؟.. وهل المخرج الوحيد للحكومة أن تفرض مزيدًا من الضرائب التي يتحمل المواطن الفقير فاتورتها الباهظة أم أن هناك بدائل أخرى أكثر إيجابية مثل زيادة الإنتاج المتوقف في مئات المصانع وجذب الاستثمارات الهاربة وعودة السياحة المتوجسة؟

ماذا أعدت الحكومة لاستيعاب البطالة المتزايدة خصوصًا بين الشباب المتعلم وفيهم للأسف عاطلون حاصلون على ماجستير ودكتوراه.. أو لعلاج أمية مزمنة تبلغ أقصى معدلاتها بين الإناث أو الفقر الذي يرزح تحت نيره أكثر من 45% من الشعب؟

ثمة قرارات اقتصادية لن تكلف خزانة الدولة شيئًا يمكن للحكومة اتخاذها فورًا، وقد أوصى بها خبراء وأساتذة اقتصاد، وعلى رأسها ترشيد الإنفاق الحكومي وخفض الاستيراد وميكنة الإجراءات الإدارية؛ لمنع الفساد والمفاضلة بين أولويات الوقت ذات الأهمية القصوى للمواطن، التي تحقق العدالة الاجتماعية والسلام الاجتماعي، وتشيع الرضا بين الناس.
الجريدة الرسمية