رئيس التحرير
عصام كامل

نجيب محفوظ يكتب: عصير حياتى

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

نال الأديب نجيب محفوظ، فى عيد العلم عام 1957 جائزة الدولة، عن روايته «بين القصرين» المأخوذة عن ثلاثيته الشهيرة وقدرها ألف جنيه، وفى جزء من مذكراته نشرتها مجلة الإذاعة فى أكتوبر 1967 تحت عنوان «عصير حياتى» كتب يقول:


أن كاتب الواقعية قد مل الواقعية، وزهق من آلام الناس ومظاهر حياتهم ولم يعد هناك جديد يكتبه عنهم، وعندما يكتب مرة أخرى يكتب بطريقة جديدة لم تتحدد فى ذهنى بعد وإلا فسوف أهجر الأدب إلى الأبد.

لقد كتبت حتى الآن أكثر من 500 قصة قصيرة و9 روايات طويلة أولها رواية «عبث الأقدار» وآخرها «بين القصرين».

قرأت الدولة الجزء الأول فقط من رواية «بين القصرين» ثم وضعت يدها فى خزينة البنك الأهلى ومنحتنى ألف جنيه، وقرأت فى صحف الصباح أنها جائزة الدولة.

لم أصرف من المبلغ شيئا، فقط أخذت منه 99 قرشا أدفأت بها جيبى ومارست على دفئها شعورا غريبا، فقد كنت أحس بضخامة الرقم تملأ ذهنى كله لأنها فى مخى «آحاد، عشرات، مئات»، بعد الـ99 قرش بقى لى 999 جنيها، طلبت من موظف الشباك أن يحولها لى باسمى على بنك مصر لأنى خفت أن أتركها فى البنك الأهلى، لأنه هو الذى أعطانى المبلغ، والذى يعطى قد يرجع فى كلامه.

ذهبت إلى صديقى توفيق الحكيم ووضعت يدى فى يده وعاهدته على ألا أصرف مليما واحدا إلا بإذن خاص منه، وسألتنى مذيعة فى الراديو كيف أصبحت كاتب واقعى؟ فقلت: «خذ أى بواب فى أحقر عمارة وأرفع عن جسده الحشرات الضارة التى تؤرق نومه ووفر له الجو المناسب سيتحول البواب الى كاتب يكتب القصة القصيرة والطويلة معا، فمثلا «ارنست هيمنجواى» يعيش حياته ثم ينقلها بتفاصيلها للناس، ويعتكف على ساحل الريفيرا يأكل مالا يأكله الناس ويشرب ما لا يشربه الناس ويحاك اللوردات والكونتيسات، يسهر الليل ويتمرغ فى السعادة، أما أنا فالكتابة بالنسبة لى تعذيب تمزق اعصابى، فى الليل امسك القلم الكوبيا واظل اكتب ساعتين على الاكثر ثم لا أطيق ويسمى الناس ما لأكتبه ادبا وأنال عليه ألف جنيه جائزة مش دى وصفة هايلة.
الجريدة الرسمية