رئيس التحرير
عصام كامل

الباشا.. مخبر أمن دولة


شهود الواقعة أحياء بينما أبطالها الآن بين يدي الرحمن، وهي واحدة من عجائب تجربة التعددية الحزبية الثانية التي ولدت من رحم النظام في العصر الساداتى، وقد حدثت فصولها بين جدران حزب تزعم المعارضة في يوم من الأيام وأسسه واحد من الضباط الأحرار وأحد أكثر المقربين من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.


حدث أن عددًا من قادة الحزب قد أحسوا أن واحدًا منهم على تواصل مع مباحث أمن الدولة فراقبوه إلى أن أيقنوا أنه "مخبر أمني" وأن وجوده بالحزب خطر كبير، وهو ما يفرض عليهم تدارك الأمر وإخطار زعيم الحزب للتخلص منه.. كان المتورط في العمل لصالح أمن الدولة من أكثر الشخصيات حرصًا على الحضور والنقاش والمشاركة في اختيار قادة الحزب ومرشحيه.. باختصار كان قريبًا من دائرة صنع القرار داخل مطبخ صنع السياسة العامة وتحركات الحزب في كل مرحلة.

أخطروا الزعيم بما حصلوا عليه من معلومات وكيف وثقوها ومن بين ما قالوه إنه ينقل كل ما يدور داخل الحزب إلى المباحث.. تململ الزعيم وهو يستمع إلى المحيطين به.. وغضب.. وضرب كفًا بكف.. بعد فترة قصيرة من الصمت دعاهم إلى اجتماع لمناقشة بعض الأمور السياسية التي تمر بها البلاد.. بالطبع كان "المخبر" من بين الحضور بل كان هو كاتب الجلسة.

بدأ النقاش بالحديث عن المضايقات الأمنية ومحاولة حصار الأحزاب في مقراتها.. ارتفعت حدة النقاش وانتقلت من دائرة الحوار السياسي المنفتح إلى دائرة اتهام أجهزة الأمن بمحاولة القضاء على التجربة الحزبية في مصر.. بدا من النقاش أن زعيم الحزب هو الأكثر حدة ودفعًا للحوار إلى طريق الصدام رغم أنه كان معروفًا بهدوئه ورصانته وتعقله.

وبدا أيضًا أن كاتب الجلسة مهتم بكتابة كل التفاصيل دون الخوض مع الخائضين، غير أنه قد يشارك كلما وجد أن الأمر يتجه إلى الهدوء.. ساعتان من النقاش وانتهت الجلسة.. طلب الزعيم من المخبر إيداع المضبطة في المكان المخصص لها وانفض الاجتماع.. خرج الجميع إلا اثنان من قادة الحزب.. سألا الزعيم فيما سيفعله مع المخبر فأمرهما بالنزول معه إلى "مشوار".

كان سائق الزعيم يتحرك من أمام مقر الحزب إلى منطقة لاظوغلى دون أن يوجهه أحد.. أيقن من كانوا بالسيارة أن اتفاقًا ضمنيًا بين الزعيم والسائق على موقع "المشوار".. على مقربة من مبنى أمن الدولة بلاظوغلى توقف قائد السيارة.. نزل الجميع.. مضت السيارة بعيدًا.. نصبوا كمينًا.. لم تمض سوى دقائق معدودة حتى وجدوا زميلهم يدخل إلى المبنى متأبطًا ملفًا أزرق.

في اليوم التالى كانت قيادات الحزب مشفقة على المخبر وما سيتعرض له من كوارث أقلها الطرد من الحزب.. الكل يترقب.. حركة غير طبيعية.. يبدو أن معلومات وصلت إلى المتورط في العمل مع أمن الدولة.. يجلس مكفهر الوجه عابس الملامح.. على ضجة كبرى التقى الجميع أمام لوحة التعليمات الإدارية والإعلانات المهمة.. قرار بترقية المخبر إلى موقع مهم بالحزب.. كاد الانفلات يسيطر على المقر حتى دعا رئيس الحزب لاجتماع.

حضر الجميع بمن فيهم المخبر وتحدث زعيم الحزب في أمور عدة حتى قاطعه أحدهم وبحدة سأله: كيف تتم ترقية فلان وقد رأيناه في (عاره) متورطًا في دخول مبنى لاظوغلى أمس وكنت أنت معنا أو بالأحرى كنا معك ؟!!

تصور البعض أن زعيم الحزب في موقف لا يحسد عليه وأنه خاضع لضغوط لا ينبغي أن يخضع لها حتى قطع هو الشكوك بقوله: لتكونوا منصفين.. نعم رأيناه وبأم أعيننا.. نعم نحن على يقين أنه ينقل أخبارنا للأمن.. نعم هو متورط في التجسس علينا لصالح أمن الدولة غير أننا يجب أن نعترف جميعًا أنه رجل أمين وأمين جدًا فقد كان بصحبته ملف تدوين الجلسات عندما رأيناه…و... و!!

وأضاف الزعيم: يجب أن نشكر لزميلنا أنه لا يتجنى علينا.. أنه ينقل المعلومات كما حدثت.. لا يلونها ولا يفسرها.. ينقل لهم قراراتنا.. مناقشاتنا.. حواراتنا.. خططنا.. وتوجه الزعيم إلى الحضور بسؤال: هل نقوم بعمل سري؟ هل نخطط لأمر ضار بالبلاد ؟ إن ما نقوم به يجب أن يعرفه النظام باعتبارنا جزءًا منه.. من أجل ذلك فإننا نحتفى بممثل النظام بيننا.. نسعد بأن من ينقل أخبارنا إليهم واحد منا وليس غريبًا عنا !!

انتهى الاجتماع.. سنوات ورحل الزعيم.. تولى مكانه المخبر.. مات المخبر وهو في موقع رئيس الحزب وبعده لم يعد هناك حزب.. ترى هل تتكرر التجربة مع أحزاب ولدت من رحم الشارع.. أظن أن الأمر ليس ببعيد!!!!
الجريدة الرسمية