لغز هانى المسيرى!
من أطاح بهاني المسيري محافظ الإسكندرية "المُستقال" ؟، هل هي وسائل الإعلام التي تتربص به منذ اليوم الأول لتعيينه أم أن إبعاده تم بسبب عدم التحسب لأزمة مياه الأمطار التي أغرقت "عروس البحر الأبيض المتوسط"، أم أنه كان كبش فداء للقصور الحكومي المتراكم؟، أم أن الرجل فشل فشلا ذريعا في التعامل مع مشاكل الإسكندرية الحقيقية واختار المشروعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وهل حقيقي ما يتردد في بعض أروقة الإسكندرية من أن وراء إبعاد المحافظ بعض رجال الأعمال في الإسكندرية ممن ليسوا من شلة رجال الأعمال التي ينتمي إليها، وهو بالمناسبة رجل أعمال كبير، وأن أولئك، ومنهم أحد رجال الأعمال القاهريين يمتلك إحدي الفضائيات الخاصة، أقسموا بأغلظ الأيمانات ومنذ أن تم تعيينه ألا يبقي المسيري محافظا للإسكندرية!
الأمر المثير للدهشة أن الحياة في مدينة الإسكندرية وبعد مرور أقل من أربع وعشرين ساعة من الغرق في شبر من المياه عادت إلى طبيعتها بشكل غريب وبأسرع مما تخيل الكثير من سكانها، وكأن شيئا لم يحدث، بخلاف بعض التداعيات السلبية التي تواصلت في بعض المناطق الريفية والبعيدة عن المناطق الحضرية، وهي أمور معتادة في ظل القصور الشديد في الإمكانيات والخدمات والفساد المتغلغل في قطاع المحليات بهذه المناطق.
الحادث بالفعل أن كميات المياه غير المسبوقة التي هطلت على مدينة الإسكندرية وأحدثت شللا تاما في كافة أرجاء المدينة، هي حدث يتكرر عدة مرات كل عام خلال النوات التي تتعرض لها المدينة، وكان من الممكن أن تمر الأزمة كما حدث مئات المرات آخرها أواخر العام الماضي، وسيحدث مرات ومرات في المستقبل، ولكن مقتل ستة من المواطنين صعقا بالكهرباء جراء حالة الطقس السيئ التي صاحبت سقوط الأمطار، هو الذي صعد من ردود الأفعال الغاضبة، وأسهم في توسيع نطاق الغضب ضد ما حدث التداول غير المسبوق لمقاطع الفيديو والصور الصحفية لما تعرضت له المدينة على كافة وسائل الإعلام ومواقع التوصل الاجتماعي وبدا الأمر وكأن الإسكندرية أوشكت على الاختفاء من خريطة مصر، ما استوجب التدخل السريع والمباشر من رئيس الجمهورية الذي أوفد رئيس الوزراء للإسكندرية، للإشراف بنفسه على جهود مواجهة تداعيات ما حدث، وربما شملت التوجيهات إبلاغ المحافظ بأن يترك مكانه.
الجدير بالذكر أن تعيين هاني المسيري محافظا الإسكندرية، الذي تم قبل ما يقرب من عشرة أشهر، قوبل بردود أفعال كانت في أغلبها رافضة أو غير مستحسنة هذا التعيين، وكانت ملامح المحافظ السابق المشابهة لنجوم السينما وحرصه على ممارسة الرياضة، في مقدمة الأسباب التي أحدثت حالة من السخرية والانتقاد لتعيين المسيري محافظا للإسكندرية، وخصوصا من وسائل الإعلام، ثم تصاعدت الانتقادات بظهور زوجة المحافظ بجواره في الاجتماعات الرسمية، وتوالت الانتقادات بسبب تنظيم احتفال أكبر مائدة في العالم على كورنيش الإسكندرية، ثم تحويل ترام الإسكندرية إلى كافيه متحرك، وأخيرا تصاعدت الانتقادات بعد إزالة أكشاك بيع الصحف والمجلات من ميدان محطة الرمل أحد أهم وأقدم ميادين المدينة، وللأمانة كان الإعلام قاسما مشتركا أعظم في توجيه الانتقادات للمحافظ، وخلق رأي عام مضاد له، وكان لافتا أن المحافظ حريص على تجاهل انتقاد الإعلام والإعلاميين، ولم يكن حريصا على التواصل أو الرد على ما يثار ضده، وهناك من يقول إنه كان مدركا أن الحملة الإعلامية ضده يقودها ويساندها خصوم غير منصفين!
جدير بالذكر أيضا أن المحافظ ومنذ أن تولي مهمته اكتشف أن انتشار القمامة في أرجاء المدينة يرجع لتوقف الشركة الأجنبية، المتعاقدة مع الحكومة منذ سنوات، عن رفع القمامة بعد أن بلغت مديونياتها لدى الحكومة ١٧٠ مليون جنيه، واكتشف أيضا أن مشروعات تطوير الصرف الصحي بالمدينة متوقفة منذ أكثر من سبع سنوات وتحتاج إلى مبلغ ٧٥ مليونا لاستكمالها، وقوبلت مطالبات المحافظ بتجاهل تام من الحكومة بتدبير هذه المبالغ المطلوبة لتحسين حالة النظافة في المدينة، واكتشف الرجل كذلك أن المحافظة تحتل المرتبة الأولى وبجدارة كأكبر المحافظات احتواء للمباني المخالفة، الجديد والآيل للسقوط على حد سواء!
الحادث بالفعل أن إعادة قراءة تداخلات وتفاصيل قصة تعيين وإقالة أو استقالة محافظ الإسكندرية هاني المسيري، تكشف عن أن الأسلوب المعتاد منذ في اختيار وتعيين المحافظين لم يعد هو الأسلوب الأمثل، ولا بد من البحث عن أسلوب أكثر منطقية وواقعية، الأمر الثاني أن الإعلام، بكل ما له وما عليه، أصبح شريكا وبنسبة كبيرة جدا في تسيير الأمور في أي قضية عامة حسبما يري أو يرغب صناع هذا الإعلام، وأيا كانت هذه الرؤي والرغبات لديهم، سواء كانت خالصة مخلصة أم غير ذلك.