رئيس التحرير
عصام كامل

خبير اقتصادي: البيانات الاقتصادية تؤكد عجز الميزان التجاري

 الدكتور أحمد النجار،
الدكتور أحمد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام

قاال الدكتور أحمد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، والخبير الاقتصادى، إن البيانات الرسمية المصرية أكدت أن عجز الميزان التجارى سجل رقما قياسيا غير مسبوق وبلغ 38.8 مليار دولار في العام المالى 2014/ 2015، مقارنة بنحو 34.1 مليار دولار عام 2013/ 2014، ونحو 30.7 مليار دولار عام 2012/ 2013، مشيرًا إلى أن ميزان تجارة الخدمات حقق فائضًا بلغ نحو 4،7 مليارات دولار عام 2014/ 2015، مقارنة بنحو مليار دولار فقط عام 2013/ 2014، ونحو 5 مليارات دولار عام 2012/ 2013.


وأضاف في تصريح لـ«فيتو»: إذا أخذنا مجموع تجارة السلع والخدمات معا، فإن العجز بلغ 34.1 مليار دولار عام 2014/ 2015، مقارنة بنحو 33.1 مليار دولار عام 2013/ 2014، ونحو 25.7 مليار دولار عام 2012/ 2013.

وأكد أن مصر تتلقى تحويلات كبيرة من الخارج غالبيتها الساحقة وأحيانا كلها عبارة عن تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وقد بلغت قيمة تلك التحويلات نحو 21.9 مليار دولار عام 2014/ 2015، مقارنة بنحو 30.4 مليار دولار عام 2013/2014 وكانت تتضمن مساعدات ومنحا كبيرة من الخارج، بالإضافة إلى تحويلات المصريين العاملين بالخارج.

وكانت التحويلات قد بلغت 19،3 مليار دولار عام 2012/ 2013، مضيفًا أن نتيجة لهذه التحويلات التضخمة فإن العجز النهائى في ميزان الحساب الجارى لمصر بلغ 12.2 مليار دولار عام 2014/ 2015، مقارنة بنحو 2.7 مليار دولار عام 2014/ 2013، ونحو 6،4 مليارات دولار عام 2012/ 2013.

واستطرد النجار أن العجز عامل ضغط مهما على الجنيه المصرى يدفعه للتراجع أمام الدولار والعملات الحرة الرئيسية، والأمر هنا لا يتعلق بكفاءة السياسة النقدية لمحافظ البنك المركزى السابق أو الحالى بقدر ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية الكلية التي أنتجت هذا العجز والتي تحتاج للتغيير بصورة جوهرية تتسم بالكفاءة والمرونة والتدرج لمعالجة هذا العجز، وأحب أن أشير إلى أننى لا تربطنى أي علاقة جيدة أو سيئة بمحافظ البنك المركزى السابق.

ولفت إلى أن هناك حالات متعددة لتخفيض سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، فالدولة نفسها تقوم بذلك أحيانا استجابة لعوامل العرض والطلب في السوق الحرة، أو لرغبتها في جعل أسعار السلع والخدمات المحلية رخيصة عند تقديرها بالعملات الأجنبية مما يساعد على زيادة صادرات السلع والخدمات وزيادة جاذبية السوق المحلية للاستثمار الأجنبى كما في حالة الصين، وفى هذه الحالة لا يقتصر الإغراء على رخص الصادرات السلعية والخدمية وضمنها السياحة وزيادة الطلب الخارجى عليها، بل إنه يمتد إلى الاستثمارات في ظل زيادة قدرة العملات الأجنبية على شراء الأصول في داخل البلد الذي يخفض عملته.

وأوضح النجار أن حالة أخرى قد تلجأ إليها الدولة لمعالجة العجز الكبير في النقد الأجنبى لرفع تكلفة اقتنائه واستخدامه ككابح للطلب عليه، كما أن الدول المدينة قد تتعرض لضغوط لتخفيض عملاتها من الدول الدائنة ومن صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين يعملان كوكيلين للدول الدائنة، وهناك نموذج نظرى ينطلق منه صندوق النقد والبنك الدوليين، مفاده أن تخفيض سعر صرف العملة المحلية يؤدى لرفع القدرة التنافسية لصادراتها في الخارج بما يساعد على زيادتها، ويساعد على تنشيط الاستثمارات الأجنبية التي تتدفق لتلك الدولة والسياحة الخارجية الوافدة إليها لأن تخفيض العملة المحلية يؤدى إلى زيادة القدرات الشرائية للعملات الأجنبية في ذلك البلد.

ونوه إلى أن التصور النظرى قد لا يتحقق في الواقع الأكثر تعقيدا، فالصادرات لن تزيد إلا إذا كان هناك إنتاج قادر على المنافسة العالمية نوعيا وسعريا وفائض عن حاجة الاستهلاك المحلى وقابل للتصدير، أو إنتاج موجه للتصدير في اقتصاد ينمو ويتطور وتوجد به استثمارات جديدة وفعالة تنتج تلك السلع، والواردات لن تتقلص إذا كانت واردات ضرورية لا يمكن تخفيض الاستهلاك منها حتى بعد ارتفاع سعرها بالعملة المحلية. 

وهذا يعنى أن تخفيض العملة المحلية يؤدى لزيادة الأسعار وفقط في هذه الحالة وليس كبح الواردات، وزيادة السياحة الأجنبية في البلد ترتبط بعوامل أخرى حاسمة مثل الأمان والصورة الخارجية للدولة والبنية السياحية، وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية للدولة يرتبط بوجود خريطة استثمارية جذابة ومغرية واستقرار أمني وسياسي وكفاءة إدارية ومرونة فائقة في متابعة الاستثمارات الأجنبية وإدارة الشركات المحلية العامة والخاصة معها على أسس عادلة ومتوازنة ونزيهة.

وقال إن هناك قاعدة نقدية تتمثل في سيادة العملة المحلية في سوقها، بمعنى ألا توجد أي عملة أخرى مستخدمة أو مسموح بحيازتها نقديا في التعاملات في السوق المحلية، ووفقا لهذه القاعدة يكون على كل حائز للنقد الأجنبى أن يحوله للعملة المحلية حتى يمكنه أن يسوى التزاماته داخل البلد، وهذه القاعدة تم اختراقها في مصر بصورة مروعة وغير مسئولة منذ أربعة عقود، ودون الاحترام الصارم لهذه القاعدة سيظل الجنيه المصرى يعانى الضغوط التي تدفعه نحو التراجع بلا مبرر حقيقى في الكثير من الأحيان.

واوصح أنه ينبغى إدارة سياسة سعر الصرف بمنطق إدارة أزمة لأن هناك عجزا كبيرا في النقد الأجنبي. وهذه الإدارة تتطلب النظر للكيفية التي ادارت بها دول تعرضت لأزمات مشابهة مثل ماليزيا في عامى 1997، و1998، وهناك ضرورة لترشيد الواردات بصورة جدية بالتوافق مع الغرف التجارية أو بقرارات سيادية تجمد استيراد السلع الكمالية والترفيهية. 

كما ينبغى العمل على تنشيط الصادرات والتوسع السريع في الاستثمارات الإنتاجية في تصنيع السلع الزراعية وفى الصناعات التحويلية لمواجهة الطلب المحلى وللتصدير سواء بتنشيط الاستثمارات المحلية أو بجذب الاستثمارات الأجنبية، وللعلم يصعب على مصر أن تحول الأحلام بجذب استثمارات عملاقة إلى واقع دون الإسراع في تطبيق نظام الشباك الواحد الحقيقي، ولن تكون هناك فعالية عالية دون تجميع سلطات منح الأراضى للاستثمار الصناعى والزراعى والخدمى في يد وزارة الاستثمار لتشرف على عملية تأسيس الاستثمارات، على أن ينتقل الإشراف بعد تأسيس الأعمال إلى الوزارات التي يقع المشروع الاستثمارى في إطارها بعد ذلك، ودون مضاعفة معدل الاستثمار البائس الذي تحققه مصر منذ سنوات طويلة لن تكون هناك إمكانية لتحقيق توازن في التجارة الخارجية الشديدة الاختلال.
الجريدة الرسمية