رئيس التحرير
عصام كامل

شهداء الصمت المخزي


عفوا.. أيها الفلسطيني المذبوح بسكين الغدر الصهيوني.. لسنا متفرغين لك.. لسنا معك غير أننا لسنا أيضا مع الصهيوني السفاح إنما نحن مع أنفسنا مشغولون.. مشغولون بما هو أعمق منك ومن مسجدك هذا الذي صدعتنا طوال التاريخ به وبقدسيته.. لسنا الآن في وضع يسمح لنا بأن نخوض حروبا.. حتى البيانات التي كنا قديما قد ((أحرفناها)) فلم نعد اليوم على ذات القدر من القدرة.


لم يعد لدينا عطاء الماضي، ولم يعد لدينا إحساس الماضي.. مشغولون بثورات الياسمين والربيع وكل صنوف الزهور.. مشغولون بمن يترأسنا ومن يخلفنا ومن يركبنا.. نعم عزيزي الشهيد نحن مشغولون بمن يركبنا.. هل يركبنا إمام المنبر؟.. هل نستسلم لهذا الكهنوت؟.. أترانا نشغل أنفسنا بك ونترك هذا الظلام يعشش في العقول؟.. أترانا نجتر الماضي وحاضرنا تتخطفه الذئاب الجائعة؟!!

لسنا ضدك.. نحن معك بما هو أقل من قلوبنا فقلوبنا ملأها رياء المرشد.. باختصار قلوبنا مسكونة.. مسكونة بذل الوضع الراهن والمراحل الانتقالية.. "مسكونون" نحن بالصراع بين الكبار.. سعداء بقنابل روسيا الأبية على قتلة سوريا الضحية.. نهتف باسم الأمير.. باسم الخليفة.. باسم الناصر فلاديمير.

عزيزي الشهيد:
إننا والعهدة على الرواة، أشعلنا نارا في بيوتنا.. أوقدنا النار في بغداد.. أحرقناها.. سحقناها.. تركناها ركاما لغيرنا فامتطوها.. أوقدنا جسدنا في ليبيا وها هو مشتعل أمامك دون زيف في الصور.. وإمعانا فيما نحن سائرون إليه، وعليه فإن مسئولياتنا الجسام فرضت علينا أن نحرق سوريا.. مشغولون بما آلت إليه النار.. مشغولون بعدد اللاجئين والمقتولين والمجلودين والمغتصبين، وها نحن نستغيث بالخلفاء الطاهرين الأبرار ليمسحوا عار النفط في دمشق.

كم كان بودنا أن يكون لدينا رغبة في البكاء عليك، غير أننا لا نملك تلك المزية فلم نعد بشرا كما كنا.. مت ولا تنتظرنا في حفلات الدفن الجماعي.. مت ولا تنتظرنا في وقفات المقابر المزروعة في شوارعكم.. مت فلن ترانا في حفلات التأبين.. مت في هدوء واحبس دمك؛ خشية أن يتطاير على أثوابنا، فلسنا في وقت يسمح بضياع الوقت.. اكتم صوتك عند الموت فمحطات المذياع منشغلة بما آلت إليه اتصالات الأوربيين وغير الأوربيين لنعرف مصائرنا.. ارحل فرحيلك منة ونعمة.. لقد عرفت طريقك أما نحن فإننا مشغولون.. بأي طريقة سنموت؟!!

لا تبحث عن القاهرة فالقاهرة مقهورة.. لا تنتظر الرياض فالرياض تصحرت.. لا تعول على طرابلس فطرابلس مصلوبة على البوابات القديمة.. لا تراهن على تونس فتونس بلا أنيس تمضي.. ابحث عن جنس آخر فالعرب هربوا من آخر صفحات التاريخ.. انقرضوا وآخر بقاياهم كانت "بعض عظام" في بغداد!!
الجريدة الرسمية