رئيس التحرير
عصام كامل

انزل.. مش نازل !!


على واحد من مقاهي حواري وسط البلد؛ كان صوت رفيقنا المحامى قد وصل إلى المارة وهو يتحدث منفعلا بكلمة الرئيس السيسي للجماهير التي طالبهم فيها بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية، عندما اقتحم علينا رجل في العقد الرابع قائلا: مش هنزل!!


وقبل أن يسمح لرفيقنا الأفوكاتو باستجوابه أجاب.. تحدث دون فاصل.. لم يسمح حتى بمقاطعته.. قال: كنت من "النازلين في يناير" حتى تصورنا أن مبارك سقط بنظامه ثم اتضح أن الرجل لم يسقط.. نزل فقط.. نزل من على دابة الكرسي وتركها مختارا لغيره.. سلمها لطنطاوي ومع طنطاوي كنت من النازلين أيضا.. في انتخابات برلمان الكهنوت كنت من النازلين فلم أستطع وحدي أن أقاوم "نزول الشعب".. ((فعلنا)).. نزلنا جميعا وكنا نتصور أننا نشارك.

في الانتخابات الرئاسية كنت واحدا من النازلين.. نزل طنطاوى نصف "نزلة" وترك لمرسي نصف نزلة فنزلت البلد كلها عن بكرة أبيها.. لم نفهم ساعتها كيف لم نفرق بين "النزول" والمشاركة ومع مرسي وبرلمانه نزلنا "نزلة ما بعدها نزلة" فلم يكن هناك بد من النزول هذه المرة.. في ٣٠ يونيو كنت واحدا من "النازلين".. هذه المرة كان لدينا إحساس بأننا نصعد إلى مساحات أعمق من النزول.. أسقطنا الكهنوت والعمالة والخيانة.

في 26 يوليو كنت مع النازلين للتفويض.. فوضناه وكان بحق على قدر التفويض.. خاض الحرب التي اتفقنا عليها وحمى البلاد ودفع عنها خطر الحرب الأهلية والتقسيم وكل صنوف الفوضى.. ساعتها قلنا لا بد وأن ننزل المرة القادمة.. نزلنا وانتخبنا السيسي بأرقام رهيبة وغير مسبوقة، وعلى قدر نزلتنا كانت وعود الرئيس.. وعدنا أن نبني سويا.. وعدنا أن نكون نحن ملح الأرض نصب عينيه.. وعدنا أن نقفز.. وعدنا أن نكون فريقا في مواجهة التحديات.. وعدنا وكان شفافا في وعوده وصادقا عندما أطلقها.

ويوم الدستور كنت من النازلين، وقالوا لنا إن لدينا دستورا فخيما، عظيما، كريما غير أنهم ومنذ فترة وجيزة طالبوني بالنزول لتغيير الدستور الفخيم العظيم الكريم فلم أنزل ولن أنزل.

إن تاريخي في النزول المستمر يؤكد أننى صاحب الجريمة.. أنا أنزل كل مرة.. كل مرة نزول.. لم أصعد إلا مرة واحدة تلك التي تخلصت فيها من حكم المرشد.. ما دون ذلك لا يزال نزولا.. من أجل ما سبق "مش نازل".. لن أنزل مرة أخرى إلا إذا غيروا معنى "النزول" بحيث يضعون لها معنى وحيدا.. انزل يعني اصعد.

استغل صديقنا الأفوكاتو لحظة إشعاله سيجارة وخاطبه: كلنا نزلنا ولا بد وأن نستمر في النزول.. نزلنا للتفويض وحاربنا الإرهاب.. نزلنا للدستور ولن ننزل لتغيير الدستور.. نزلنا لانتخاب السيسي الذي شق لنا قناة جديدة.. نزلنا ولا بد أن ننزل.. شد الرجل نفسا عميقا ونظر إلينا بعمق وهو يمضى في طريقه قائلا: انزلوا انتوا.. أنا طاااااالع!!
الجريدة الرسمية