إكرام الحزب.. دفنه!
بالفم المليان، قال صحفي بجريدة حزبية إن حزب المصريين الأحرار يخطط للحصول على أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب، وبدأ الرجل بلا خجل في وضع أدلته على أن المصريين الأحرار - لا سمح الله - قد ينجح في خطته، وبدا من المقال أن ما يفعله الحزب المذكور جريمة في حق الوطن.
هذا الصحفي ذكرني بما نقرأه يوميا على صفحات الصحف، عندما تشكر أسرة طبيبا لأنه أجرى جراحة ناجحة لأحد أفرادها أو عندما تقرأ صفحة كاملة عبارة عن شكر للسيد مدير الأمن؛ لأنه قبض على اللصوص في واقعة بعينها.. وأيضا يذكرني بنفسي عندما أستقل سيارة تاكسي، وبعد وصولي إلى مقصدي ودفع المعلوم مضاعفا، أنحني للسائق وأنا أشكره دون أن أسأل نفسي لماذا أشكره؟
الأصل في المسائل، أن الحزب الذي لا يخطط للحصول على أكبر عدد من المقاعد، عليه أن يتنحى ويمارس عملا آخر غير السياسة، والأصل في الطبيب أن يجري جراحات ناجحة، ووظيفة مدير الأمن أن يقبض على اللصوص، ومهمة سائق التاكسي أن يوصل الركاب إلى مقاصدهم.
وأتصور أنه يمكننا أن نشكر السباك أو النجار إذا أنقذ مريضا؛ لأنه قام بما هو أبعد من مهمته، ونشكر مواطنا صالحا طارد اللصوص وقبض عليهم في غيبة رجال الأمن؛ لأنه قام بما هو ليس مكلفا به، أما أن نشكر مترو الأنفاق لأنه يعمل طوال فترة عمله، فإن هذا بالضبط يشبه اتهام حزب بأنه يخطط للحصول على أكثرية في البرلمان.
عندما كنت مديرا لتحرير جريدة الأحرار، كتبت مقالا عنيفا ضد وزير التعليم الأكثر جدلا الدكتور حسين كامل بهاء الدين، ومن المعروف أن الدكتور بهاء الدين قارئ نهم.. ينتهي من قراءة صحف اليوم التالي فجرا.. اتصل الدكتور بهاء الدين بالراحل مصطفى كامل مراد، وقد كانا صديقين حميمين.
في الصباح الباكر، استدعاني مصطفى كامل مراد - رئيس حزب الأحرار - موجها إليَّ سيلا من الاتهامات، وكان أبرزها أنني قصدت بما كتبت إزاحة وزير التعليم من موقعه، ورغم أن مقالي في ذلك الوقت لم يكن مؤامرة على الوزير، إلا أنني قلت بصوت مرتفع: نعم أقصد ذلك حتى يتسنى لنا كحزب أن نفوز في الانتخابات القادمة، ونأتي بوزير تعليم غير الدكتور بهاء الدين.. هنا ابتسم مصطفى كامل مراد، وهو يقول نعم يجب تداول السلطة سلميا، ولا بد أن نختار وزيرا ينفذ برنامج الحزب.. انتهت الأزمة وأصبحت أنا والدكتور بهاء الدين أصدقاء فيما بعد، خاصة أنه كان صاحب رؤية مستقبلية لخطر الإسلام السياسي على مصر.
الأصل في الأحزاب أن تخطط للاستفادة من ضعف الآخرين، والأساس أن تخطط للحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان؛ حتى تستطيع تنفيذ أجندتها وبرامجها وأهدافها التي تصب في النهاية كأهداف قومية.. وحسب هذا المفهوم، يصبح الاتهام الذي وجهه الصحفي - بسذاجة - وسام شرف لكل حزب يبتغي تحقيق الأكثرية، أما أحزاب خالتي بهانة وأحزاب الصراعات والمؤامرات، فإن مصيرها ينطلق من المأثور العربي "إكرام الميت دفنه"!!