التفسير العلمي لآية النحل
"وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)".
يعتقد البعض أنه ليس من حق أي إنسان أن يفسر القرآن أو يفهمه إلا المشايخ الدارسين للشريعة فقط، وهم فقط من يجب أن نأخذ ديننا منهم، مع العلم أنه لا يوجد كهانوت في الإسلام، ولكن أود أن أقول لهم إن كثيرا من علماء في تخصصات دنيوية مثل الطب والهندسة والزراعة، وكثيرا من المفكرين المسلمين استطاعوا أن يضيفوا تفسيرات تثبت أن هناك إعجازا علميا في القرآن، فإن رفضت تفسير أحدهم فلا تتهمه بالجهل؛ لأنه فكر واستنبط، كما اتهمت أنا بعد كتابة مقالي السابق "العسل ليس شفاء للناس".
كتبت المقالة السابقة خوفا على مرضى السكر الذين يأكلون بشراهة العسل؛ اعتقادًا منهم أنه دواء رباني لهم ولشفائهم من مرض السكر، ونصحني البعض ألا أتكلم في غير تخصصي، وأعظم مثال على عالم أتى بتفسير يثبت فيه الإعجاز العلمي في آية النحل هو الأستاذ الدكتور محمد علي البنبي رحمة الله عليه، أستاذ النحل بكلية الزراعة جامعة عين شمس، في كتابه "نحل العسل في القرآن والطب"، وفيما يلي بعض من كتابه:
حيث كان تفسير آية النحل في مجملها من قبل مشايخ المسلمين، بأن الله أوحى إلى النحل أن تسعى للبحث عن رزقها، وأن تأكل من كل الثمرات لتخرج لنا العسل الشافي للناس.
فإذا كان جملة "فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا" بمفهومها الدارج، تعني قدرة النحل على الطيران في أجواء السماء، تثير كثيرا من علامات الاستفهام:
فإذا كان معناها ذلك حقا فكيف تأتي بعد جملة "ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ"، والمفروض أن تسبقها لأن النحل يطير بحثًا عن غذائه ثم يأكل منه؟
لماذا بدأت بحرف العطف "الفاء" التي تعني الترتيب مع التعقيب؟
ولماذا لم تنسب كلمة السبل فيها إلى لفظ الجلالة الله، وإنما نسبت إلى رب النحل أي خالق النحل؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات تبرز إعجازًا علميًا في آية النحل، وإنها ليست من تأليف بشر، وإن المعاني التي وردت فيها في غاية الدقة ولم تعرف إلا من بضع سنين.
فوجود الجملة الفاصلة بين تغذية النحل على الثمرات وبين إخراجه للسوائل التي تشفي الناس، جعلت معناها بعيدة عن التفسير الدارج بأن تسلك سبل الله في جو السماء، ولكنها أقرب إلى كونها سبلًا ممهدة لإخراج السوائل الشافية من بطون النحل، ولاسيما أنها تضمنت تعبير "سبل ربك"، أي سبل الرب الذي خلق النحل، وهي مخصصة للنحل فقط ولا يوجد مثلها في كائن آخر، وهي الطرق التي تصل بين معدة النحلة وبين الغدد المختلفة، التي تقوم بتحويل الغذاء إلى السوائل الشافية، ولو كان الله سبحانه وتعالى يقصد بها طيران النحل لجاء "فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا" قبل "ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ"؛ حيث إنه لا بد للنحلة من الطيران لكي تبحث عن طعامها وتأكله لتحوله لعسل.
وللحديث بقية في المقالة القادمة بإذن الله تعالى.. والله الموفق والمستعان.