رئيس التحرير
عصام كامل

إنها الثورة.. ولكن!


أتعجب.. كيف تخلت الدولة عن واجبها في شحن الأجيال الجديدة بروح أكتوبر التي قال عنها الروائي الكبير نجيب محفوظ "إن انتصارات أكتوبر ثورة وليست معركة فحسب؛ فالمعركة صراع قد ينتهي بالنصر أو غيره، لكن الثورة وثبة روحية تمتد في المكان والزمان حتى تحقق الحضارة.. إنها رمز لثورة الإنسان على نفسه، وتجاوزه لواقعه وتحديه لمخاوفه ومواجهته لأشد قوى الشر عنفًا وتسلطًا.. إن روح أكتوبر لا تنطفئ، وقد فتحت لنا طريقًا بلا نهاية، ليس العبور سوى قفزة في تيار تحدياته".

انتهى كلام الأديب العظيم نجيب محفوظ.. لكن السؤال لم ينته، هل تحققت نبوءة محفوظ؟.. هل بقيت جذوة أكتوبر متقدة في أرواحنا؟.. فلم نفسد في الأرض، ولم نتخاذل أو نهمل واجباتنا تجاه وطننا حتى تجاوزنا العصر وأطاح بنا التاريخ خارج صفحاته.. أين ذهبت روح التحدي؟.. ولماذا جرفنا تيار التحديات في واقع مؤلم صنعناه بأيدينا في عقود تلت نصر أكتوبر؟.. فتراجع تعليمنا حتى خرجنا من التصنيف العالمي، وتدهور اقتصادنا بعد تبني نموذج اقتصادي مشوه لا هو بالرأسمالية المنضبطة ولا هو بالاشتراكية الرشيدة، فلا الدولة حافظت على أصولها ومواردها ووحدات إنتاجها وعمالتها، ولا هي راقبت السوق وحمت الفقراء من توحش الرأسمالية، ولا مارست دورها في الضبط والربط وتوفير الأمان للضعفاء.. حتى صار السؤال: كيف نستعيد روح أكتوبر الخلاقة في شتى المجالات؟.. لماذا طمست تلك الروح الوثابة رغم أنها كامنة فينا متوارثة في جيناتنا؟.. ظهرت في ميدان التحرير في أيامه الأولى خلال ثورة يناير قبل أن تغرقنا أطماع السياسة، ثم استعدناها في 30 يونيو و3 و26 يوليو 2013، حين انتفضت إرادة الشعب لاستعادة الدولة الوطنية من براثن جماعة الإخوان، التي أرادت تذويبها وتسليمها للتنظيم الدولي، لقمة سائغة لالتهامها دون رحمة ولا وازع من ضمير.

واليوم تحدونا آمال عريضة في استلهام هذه الروح الوثابة والعزيمة الفولاذية والبصيرة النورانية، والحرص على الشهادة في سبيل الوطن أكثر من حب دنيا زائلة يشوبها انكسار الهزيمة أو آفة التخلف وأمراضه.. ورغم كثرة أزماتنا وعمق مشكلاتنا وتخلف مفاهيمنا وخلودنا إلى الكسل وحب الراحة ومخاصمة ثقافة العمل والإنتاج، فإننا لسنا حالة مستعصية بل يعوزنا الأمل والمصداقية والثقة، وهو ما يتوفر في تلك المرحلة، وليس حفر القناة الجديدة في عام واحد وبتمويل مصري خالص جاوز الــ64 مليار جنيه، تم جمعها في أيام معدودات، إلا صورة للجينات المصرية العبقرية في الصمود والتحدي وحب الأوطان.
الجريدة الرسمية