نجيب محفوظ يكتب: فرحة أكتوبر فاقت كل الأفراح
في جريدة الأهرام عام 1998، وفى الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر كتب الأديب نجيب محفوظ مقالا تحت عنوان (الفرحة التي فاقت كل الافراح) قال فيه:
"كنت جالسا على مكتبى في الأهرام يوم 6 أكتوبر 1973، أفترش أوراقى أمامى حين دق جرس التليفون وكان المتحدث هو صديقى ثروت أباظة يسألنى ماذا أفعل ؟ قلت له أمسك القلم وأحاول لملمة بدايات قصة جديدة، فقال لى قصة إيه ألم تسمع الخبر؟ قلت أي خبر؟ قال لقد عبرنا.
قلت وأنا ما زلت ممسكا بالقلم وأنظر إلى الورق عبرنا إيه؟ قال عبرنا القناة وقواتنا الآن تشتبك مع العدو على الضفة الشرقية، فرميت القلم من يدى ونهضت من على مكتبى تاركا القصة التي كنت في بدايتها، فلم يكن يخطر ببالى في أكثر لحظات إنطلاق الخيال أن نتمكن من عبور القناة بهذا الشكل، فقد كان الاعتقاد السائد هو أن من رابع المستحيلات تخطى خط بارليف الترابى والذي لايمكن أن تخترفه القنابل.
فمنذ يونيو 67 وأنا أعيش اسوأ فترات حياتى أعايش حالة الاكتئاب القومى التي اكتنفتنا جميعا بسبب الشعور بالإهانة والقنوط دون وجود أي طريق للخلاص.
لذلك فإنى للوهلة الأولى لم أصدق ثروت اباظة ولم أكن على استعداد لتصديق وسائل الإعلام بعد ما حدث منها في يونيو 67 من أكاذيب، وبمثل حجم الكآبة التي كنت أشعر بها قفزت في الهواء من الفرح حتى إننى طوال فترة الحرب كنت في حالة من الإنفعال لم اكن استطيع معها النوم، فقد كنت أعيش على أعصابى وكانت تلاحقنى الأسئلة هل سيستمر هذا التقدم لقواتنا الباسلة، وهل ستكلل عملياتنا الحربية بالنصر؟ لكن كان النصر والنصر العظيم.
من أجل ذلك إذا سئلت عن أسعد أيام حياتى جميعا لقلت بلا تردد يوم 6 أكتوبر 1973 والذي حين أقارنه بفرحتى عند الفوز بجائزة نوبل أجد أن فرحة أكتوبر قد فاقت كل الأفراح.