رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة التطوع وسلطة الانتماء


كثيرًا ما نسمع "أن الثورة أخرجت من المصريين أسوأ ما فيهم" أو "أنها أظهرت الوجه القبيح للإنسان المصري".. وسواء اتفقنا مع هذا العبارات أم لم نتفق فلابد أن نعترف بأننا لدينا أزمة قوية في الانتماء.. وإذا كان الانتماء دافعا غريزيا.. فإن قسوة الدولة في التعامل مع قضايا مواطنيها عادة ما تدفعهم للانتماء إلى جماعات غير مشروعة؛ ربما تنجح ببراعة في تحويلهم إلى مواطنين ضد المجتمع!!


فمحور الأزمة لدى المواطن غالبًا ما تتعلق بعلاقته بالسلطة وربما بثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.. فالإنسان بطبيعته لا يستطيع العيش دون الانتماء لجماعة أو لمجتمع.. ومن ثم فأكبر عقاب للمجرمين هو حرمانهم من الاستمتاع بالحياة الاجتماعية. فالإنسان لا يستطيع أن يجد للحياة معنى إلا إذا أعطى من نفسه للمجتمع الذي يعيش فيه!!

وإذا كانت الحياة في وطن والانتماء إليه يتطلب من الوطن أن يوفر لأبنائه ثلاث مزايا هي القوة والكرامة والأمان.. فلا غرابة أن يشعر الأفراد بالانتماء للوطن الذي يمنحهم "القوة" ولا يشعرون فيه أمام السلطة بالضعف وقلة الحيلة والاستهانة بكرامتهم، والتي غالبا ما تكون جميعها نتائج حتمية لفساد السلطة أو لأجرام السلطات العمومية؛ بدعوى الحفاظ على الاستقرار.. الذي لا يعد أكثر من رماد تحته نار تنتظر الاشتعال!

ولعل هذه هي وجهة نظر عالم النفس" أدلر" أما " فرويد " صاحب مدرسة التحليل النفسي فيرى أن الشعور بـ"اللذة " أو "المتعة "هو المحرك الأساسي للسلوك البشرى، وأن الإنسان عادة ما ينتمي للمكان الذي يتلذذ فيه، ويشعر بأن الانتماء إليه نعمة والحياة فيه متعة.. فعادة لا ينتمي الإنسان إلى "وطن" يُكدس أرصدة "الدموع " في عيون أبنائه !

ورغم منطقية أن يكون الشعور بالسعادة والقوة هو المحدد الأساسي للشعور بالانتماء، فإن "فرانكلين" يرى أن الإنسان عادة ما ينتمى للوطن الذي يشعره بأن لحياته فيه "معنى".! ويرى أن الشعور بالمتعة لا يدفع للانتماء بل ربما تكون"المتعة" هي النتيجة الطبيعية للانتماء.. وأن القوة ليست هي الغاية من الشعور بالانتماء بل هي الوسيلة إليه.. ومن ثم فإن المجتمع يفقد استقراره، ويتحول إلى الحالة المَرَضِيَة عندما تصبح الغلبة في الانتماء إليه للقوة والمتعة..وإذا كان هناك أفراد لا يشعرون بأنهم يعملون إلا إذا كان للعمل مقابل مادى، فإنه لا يكون لحياة الإنسان "معنى" إلا إذا تحرر من"الاحتباس" في ذاته إلى "الإنعتاق " خارجها. وبقدر ما يمنحه للمجتمع دون مقابل.

وغالبا ما يتحقق ذلك من خلال رغبة الإنسان في التطوع لخدمة المجتمع الذي يعيش فيه.. ومن ثم فإن فتح المجال للتطوع هو حق أصيل من حقوق الإنسان التي يجب أن تكفلها الدولة لكل مواطن؛ كى يعبر من خلاله عن مشاعر الانتماء التي بداخله؛ وذلك بتفاعله مع قضايا المجتمع.. فيتحول المجتمع تدريجيًا إلى "كحلة " بعين كل مواطن، أو"كائن" يعيش بداخله، ولهذا فإن قيام الدولة بفرض قيود على التطوع يَعَد محاصرة لحرية الضمير وانتهاكًا متعمدًا لحقوق الإنسان وتدميرا شديدًا لمشاعر الانتماء.. والذي قد يتسبب في خلق أزمات وكوارث، ربما لا تقوى الدولة نفسها على مواجهتها.

ومخطئ من يتصور أن "دخل الفرد" المعيار الأهم في تحديد مشاعر الانتماء؛ فأكثر الدول تحضرًا ومدنية هي أكثرها في معدلات التطوع، وأن الانضمام إلى المنظمات التطوعية في أمريكا لا يقل كثيرا عن معدلات التطوع في الجيوش العربية.. فرغم أن أمريكا بلد يقدس"الرأسمالية " فإنه من كل 4 أشخاص شخص يُفني جزءًا من حياته في التطوع.. حتى تجاوز مجموع ساعات العمل التطوعى الـ 8 بليون ساعة، كما تجاوزت الموازنة السنوية للجمعيات التطوعية الـ 1.5 تريليون دولار.. أي ما يعادل 10 % من الدخل القومى الأمريكى، ورغم أنهم متهمون بـ" العلمانية " إلا أن المنظمات الدينية تحصل على ما يزيد على 35% من مساهمة المواطنين في النفع العام !

وفى مصر.. رغم التسهيلات التي قدمتها الدولة لإنشاء الجمعيات الأهلية حتى تجاوزت أعدادها 54 ألف جمعية أهلية.. فقد وضعت الدولة "عراقيل" عديدة تحول دون قيام هذه الجمعيات بمهامها التنموية والاجتماعية، وأصبح المتطوعون مطاردين "أمنيًا" وموصومين بـ"الخيانة"، كما أنهم مهددون بالمطالبات "الجنائية" ! وبين يوم وليلة يدفع المتطوعون الشرفاء ثمن انتمائهم.. وربما يُزَج بهم في السجون!
Sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية