ديمقراطية «روسو» وديمقراطية «الجردل»!
نحن دولة ديمقراطية.. هكذا نقول أو نردد أو نرى.. والفارق بين ما نقول والواقع هو ذاته الفرق بين الجردل وجان جاك روسو، الجردل ليس هو الأداة المتعارف عليها في نقل المياه أو السوائل الأخرى من مكان إلى آخر، وإنما هو ذلك اللفظ الذي يحمل صورة ذهنية بين المصريين أكثر عمقا من كونه أداة، ويتعداها إلى كونه واحدا من أقسى ألفاظ السب التي قد يسبب إطلاقها جرائم دم.
عمنا جان جاك روسو كان يرى أن الإنسان خيّر بطبعه، وقد سلمنا جدلا بذلك دون أن نذكر سيادته بأول حادثة قتل في التاريخ، إيمانا منا بدور روسو الفلسفى والفكرى في تاريخ البشرية، وروسو ذاته يرى أن الحضارة والمجتمع أفسدا طبيعة الإنسان، وأن هذا الإفساد أدى إلى ما يمكن تسميته بمفاسد المجتمع، وهو الأمر الذي دفع البشرية إلى البحث عن مداواة لأمراضها فكان التعاقد، والتعاقد فيما قاله روسو هو تنازل الناس عن بعض حقوقهم لصالح الأمة، وهنا تبرز فكرة الديمقراطية والانتخاب، والانتخاب هو سلطة الناس في انتخاب حكامهم أو خلعهم، والآن يجب عليك أن تغمض عينيك وتعود من عصر وأفكار روسو إلى واقع المصريين..
انتقل أولا إلى عبقرية وحيد حامد “طيور الظلام”.. شاهد رشدى الخيال الذي قدمه جميل راتب وتعرف جيدا على المحامى الفاسد فتحى نوفل، وتملى جيدا في ذلك المشهد المدهش لنوفل، وهو يأمر الخيال بتقبيل المعتوه النفسى وسط الجماهير كخارطة طريق للوصول!!
جان جاك روسو لم يكن يعلم بوجود فتحى نوفل، ولم يكن على دراية بمواصفات رشدى الخيال، فكلاهما من مفاسد المجتمع، وقد جاءا ليعتليا هرم السلطة عبر قُبلة لرمز البركة في مجتمعات الجردل والكنكة.. روسو نفسه أيضا لم يتحدث عن الكنكة كقضية فلسفية ترتبط بالاختيار والقدرة عليه، كل الفلاسفة لم تكن لديهم دراية بالجردل المصرى، والجردل المصرى نفسه لا يعرف من روسو الذي لولاه لظللنا نحكم على طريقة محمد على لا سمح الله!
إذن نحن دولة تؤمن بديمقراطية الجردل، ديمقراطيتنا هي ديمقراطية فتحى نوفل ورشدى الخيال، ديمقراطية روسو إنما أرادت أن تواجه فساد المجتمع والحضارة ضد الإنسان، بينما ديمقراطية الجردل إنما جاءت لترسيخ فساد الإنسان، وشرعنة فساد المجتمع، وفساد المجتمع يبدأ بقُبلة لمهمش، ليس مقصودا منها الاحتفاء به، وإنما العبور فوق آلامه وأمراضه إلى أعلى درجات السلطة.
وديمقراطية روسو تؤمن بتداول السلطة، وديمقراطية الجردل هي التي جاءت بالإخوان إلى سدة الحكم، وعندما أراد الشعب خلع السلطة عنهم قتلونا، وسحلونا، ودمرونا، وتآمروا علينا، فتوارت ديمقراطية روسو، وكادت تنتصر ديمقراطية الجردل.. أسقطناه ليس بديمقراطية روسو، وإنما بنوع ثالث من الديمقراطية لم نصفه بعد.
ديمقراطية روسو تحارب الاستغلال، وترسخ لمبدأ تكافؤ الفرص، وديمقراطية الجردل هي قمة الاستغلال والإعلان الرسمى لتوالد السلطة، فابن الرئيس رئيس، وابن القاضى قاض، وابن الفلاح فلاح، وابن المتسول متسول.
وديمقراطية روسو لا تسمح بظهور إخوان ولا كهنوت.. لا تنبت فيها نماذج التجارة بالدين، فالدين عنده حرية اعتقاد، وحرية الفرد قائمة على الذات، وما تقدمه للمجتمع وحريتها في الاعتقاد أو عدمه بوجود أديان، أما ديمقراطية الجردل فإنها تربى إخوانا، وسلفيين، وتجار دين، ودم، وأرواح.. ديمقراطية الجردل تتاجر بالإله، وكتبه، ورسله، وتصل تجارتها إلى تسعير الجنة والنار، بينما كان روسو مشغولا بنظام يريح الإنسان من مشاكله ويعالج فساده.
ديمقراطية روسو كانت منغلقة على صالح الإنسان وراحته، والطريقة المثلى التي يحكم بها نزواته، وشروره، ومفاسده، بينما ديمقراطية الجردل تمتطى ديمقراطية روسو ؛ لتسخر أفكاره وفلسفته في خدمة رشدى الخيال وفتحى نوفل !!