رئيس التحرير
عصام كامل

صغير المساحة..كبير المكانة!!


ولنا في سنغافورة القدوة والنموذج فهي بلد عجيب.. صغير المساحة، كبير المكانة خصوصًا في مجال النقل البحري والخدمات اللوجيستية والتعليم.. وقد زرتها منذ سنوات وأبهرني تقدمها.. وأشاد بتجربتها العظيمة الرئيس السيسي الذي زارها منذ أيام.. وأحسب أنها كانت حاضرة بقوة في ذهن مهاتير محمد صانع نهضة ماليزيا، وربما تأثر الرجل بأفكار رئيس وزرائها القوى واستوحى تجربته الناجحة في العلم والتكنولوجيا والتي نقلت سنغافورة من جزيرة صغيرة يعتمد اقتصادها على الصيد إلى عملاق اقتصادي يعد الدخل السنوي لأفراده من أعلى المعدلات العالمية (80 ألف دولار سنويًا) حتى صارت سنغافورة بين العشرة الكبار اقتصاديًا على مستوى العالم، اعتمادًا على تنمية البشر بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا الفائقة.. فكيف لمصر الكبيرة مساحةً.. الهائلة بشرًا وموارد أن تحذو حذو هذه الجزيرة الصغيرة أحد النمور الكبرى في عالم الاقتصاد والعلم ؟!


هونج كونج نموذج آخر للنجاح وتكاد لا تشعر بفارق بينها وبين ماليزيا وسنغافورة إلا في تبعيتها للصين وطبيعتها الجغرافية رغم أنها تحظى بحكم ذاتي.. لكن هذا لم يمنعها من إحراز تقدم تكنولوجي هائل يدفعنا للتساؤل: كيف حققت تلك الكيانات العملاقة نهضتها.. كيف كانت أولوياتها عند البدايات.. هل تعاركت نخبتها على أولويات التنمية فطالب البعض بالإصلاح السياسي والديمقراطي وحقوق الإنسان كمدخل للتنمية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية.. أم كانت البداية بالاقتصاد أم بالتعليم والبحث العلمي الحقيقي ؟!

وهل صادف التغيير عقبات ومعارضة قوية كالتي نراها عندنا كلما حاولت الحكومة الشروع في أي إصلاح أو تجديد، وتعالت نعرات المصالح والأجندات الخارجية..؟!

البداية في الدول الثلاث كانت حتمًا بإصلاح التعليم وتغيير ثقافة المواطن وسلوكياته، ثم جاءت التنمية الاقتصادية ثمرة لهذا الإصلاح في التصور والمفاهيم والأفكار والسلوكيات.. ثم تحققت العدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي الذي انطوى على تحول ملموس وناضج نحو الديمقراطية والحكم الرشيد.. فلا عدالة في الفقر ولا إبداع في بيئة متخلفة ولا ديمقراطية في ظل استبداد الفكر وجموده فالإصلاح يسير في مسارات متوازية تبدأ بتنمية الفرد تعليميًا وصحيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وليس بحديث أجوف عن مجرد أمانٍ في تغيير نخبوي فوقي يكاد لا يصل إلى قاع المجتمع حتى يتبخر وتتلاشى آثاره.
الجريدة الرسمية