التعليم وفقه الجودة
قبل تنحي الرئيس حسني مبارك بسنوات، شهدت الجامعات المصرية برنامجًا لجودة التعليم، ورصدت الدولة ميزانية خاصة لهذه الجوّدة، وتضمنت كل كلية وحدة خاصة للجوّدة، وذهبت الميزانية ومازال التعليم على حاله؛ لأن معظم الجامعات المصرية تفقد فقه الجودة.
التعليم في الخارج يركز على جودة بيئة التعلم، والاستفادة القصوى من التكنولوجيا في التعلم، وعلى جودة الطالب الجامعي وعلى تسليحه بالمهارات التي يتطلبها سوق العمل، وعلى التأكد من تحقق وقياس مخرجات التعلم، ووجود معايير لقياس أهداف التعلم، في حين أن جودة التعليم في مصر تقتصر على محاولة زيادة مرتبات أعضاء هيئة التدريس، وتوفير دورات تدريبية محلية لهم، وتوصيف المقررات الدراسية، وربما أكثر من ذلك بقليل.
ورغم أن الحديث عن جودة التعليم بدأ قبل ثورة 25 يناير بسنوات، فالتعليم الجامعي كما هو لم يتغير ولن يتغير طالما نتحدث عن حلم تحقيق الجودة بنفس منطق حلم استضافة مصر لكأس العالم في 2010، فكلما كنت أواجه بعض الأصدقاء بحقيقة أن مصر لا تمتلك الإمكانيات التكنولوجية ولا البنية التحتية التي تمكنها من استضافة كأس العالم، كانوا يطالبونني بأن أرتدي تيشرتا وأن أذهب لاستقبال وفد اللجنة المنظمة، وكانت النتيجة صفرا كبيرا.
ولست أقلل هنا من دور القائمين على هذه وحدات الجودة أو الدور الذي قاموا به، أو من تمّكن بعض الكليات من الحصول على شهادات معتمدة في الجوّدة من مؤسسات عالمية، وهي شهادات حقيقية لم يتم شراؤها كما تفعل جامعات خاصة، ولكن أخذًا بالقاعدة العسكرية الشهيرة التي تقول إن "السيئة تعم والحسنة تخص"، فإن الواضح للقاصي والداني أن الجامعات وخاصة الحكومية منها، مازالت على حالها، وخاصة الجامعات الإقليمية.
ورغم أن الحديث عن جودة التعليم بدأ قبل ثورة 25 يناير بسنوات، فالتعليم الجامعي كما هو لم يتغير ولن يتغير طالما نتحدث عن حلم تحقيق الجودة بنفس منطق حلم استضافة مصر لكأس العالم في 2010، فكلما كنت أواجه بعض الأصدقاء بحقيقة أن مصر لا تمتلك الإمكانيات التكنولوجية ولا البنية التحتية التي تمكنها من استضافة كأس العالم، كانوا يطالبونني بأن أرتدي تيشرتا وأن أذهب لاستقبال وفد اللجنة المنظمة، وكانت النتيجة صفرا كبيرا.
ولست أقلل هنا من دور القائمين على هذه وحدات الجودة أو الدور الذي قاموا به، أو من تمّكن بعض الكليات من الحصول على شهادات معتمدة في الجوّدة من مؤسسات عالمية، وهي شهادات حقيقية لم يتم شراؤها كما تفعل جامعات خاصة، ولكن أخذًا بالقاعدة العسكرية الشهيرة التي تقول إن "السيئة تعم والحسنة تخص"، فإن الواضح للقاصي والداني أن الجامعات وخاصة الحكومية منها، مازالت على حالها، وخاصة الجامعات الإقليمية.
فالجامعات – وباستثناءات بسيطة مثل جامعة القاهرة وربما جامعتي عين شمس والإسكندرية - تفتقد لبنية تحتية سليمة، ورغم تأكد العمداء من غسل وشطف المباني بالماء قبل بدء الدراسة، فالمباني غير مجهزة تكنولوجيا، والتليفون العمومي قد يكون للبعض رفاهية، ولماذا التليفون وكل طالب معاه موبايل، ولا توجد غرف درس للطلاب للراحة والقراءة خارج قاعات المحاضرات، هذا إن وجدوا كرسي ليجلسوا عليه من أساسه، فالعّرف الذي تربى عليه الطلاب هو الوقوف أو الجلوس على سلالم الكلية، والطالب يجلس ليه، يكفيه الجلوس في المحاضرات، ناهيك عن الظلم الذي يتعرض له طلاب الحالات الخاصة؛ حيث لا يوجد مصاعد بمعظم المباني، وإن وُجدت فهي غالبا لا تعمل، أما عن قاعات المحاضرات فحدث ولا حرج، فالكليات التي تعتمد على المقاعد وليس المدرجات بها مقاعد متهالكة.
والضوء يشع من كل جوانب القاعة، ليصبح وجود جهاز عرض شرائح إلكترونية من المستحيلات، ولماذا القلق وهذه الأجهزة غير موجودة إلا في قاعات قليلة بكل كلية، أما عن المعامل فعدد الأجهزة لا يكفي لتدريب نصف الطلاب، وكثير من الأجهزة تكسوها الأتربة، ولا يتم عمل صيانة دورية لها.
ورغم أن الجودة ساهمت في زيادة الدخل الشهري لبعض أعضاء هيئة التدريس، الذين التزموا بشروط زيادة الدخل، فإن الإمكانيات المتاحة لعضو هيئة التدريس باقية على حالها، والواقع أن قراءة لبنود إنفاق ميزانية وزارة التربية والتعليم تصيب المتابع بالصدمة، فقد نشرت جريدة "فيتو" العام الماضي، تصريحا لوزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق، الدكتور وائل الدجوي، يقول إن ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي لعام 2014 ارتفعت من 18 إلى 20 مليار جنيه، وإنه تم تخصيص 14.5 مليار جنيه من الميزانية لرواتب العاملين، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن المرتبات تبتلع 72% من ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي وفقًا لتصريح الوزير السابق.
بنود إنفاق الميزانية بمؤسسات التعليم العالي ووفقًا لبوابة الإحصاءات القومية للتعليم العالي في عام 2009، تشير إلى أنه إلى جانب التدريس (المرتبات)، هناك البحث العلمي، وتدريب وتطوير أعضاء هيئة التدريس، ولكن الميزانية تخلو من تطوير البنية التحتية للجامعات، وتطوير الطالب الجامعي، فلا يوجد بند في الجودة للإرشاد الجامعي للطلاب، وتطوير مهارات قياس نتائج التعلم.
ورغم أن الجودة ساهمت في زيادة الدخل الشهري لبعض أعضاء هيئة التدريس، الذين التزموا بشروط زيادة الدخل، فإن الإمكانيات المتاحة لعضو هيئة التدريس باقية على حالها، والواقع أن قراءة لبنود إنفاق ميزانية وزارة التربية والتعليم تصيب المتابع بالصدمة، فقد نشرت جريدة "فيتو" العام الماضي، تصريحا لوزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق، الدكتور وائل الدجوي، يقول إن ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي لعام 2014 ارتفعت من 18 إلى 20 مليار جنيه، وإنه تم تخصيص 14.5 مليار جنيه من الميزانية لرواتب العاملين، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن المرتبات تبتلع 72% من ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي وفقًا لتصريح الوزير السابق.
بنود إنفاق الميزانية بمؤسسات التعليم العالي ووفقًا لبوابة الإحصاءات القومية للتعليم العالي في عام 2009، تشير إلى أنه إلى جانب التدريس (المرتبات)، هناك البحث العلمي، وتدريب وتطوير أعضاء هيئة التدريس، ولكن الميزانية تخلو من تطوير البنية التحتية للجامعات، وتطوير الطالب الجامعي، فلا يوجد بند في الجودة للإرشاد الجامعي للطلاب، وتطوير مهارات قياس نتائج التعلم.
ورغم وجود دورات تدريبية متاحة لأعضاء هيئة التدريس، فهذه الدورات تتم داخل جامعة عضو هيئة التدريس، وهي قد تساهم في زيادة معرفة عضو هيئة التدريس بماهية التدريس الفعال، ومعايير الاتصال الفعال، أو حتى كيفية وضع المقرر، ولكنها لا تساعده على تطوير مهارته ولا على اكتساب مهارات جديدة.
دستور مصر لعام 2014، ينص – في المادة 21 - على أن الدولة تتكفل بتوفير تعليم جامعي "وفقًا لمعايير الجودة العالمية"، ولكن الواقع – وليس التشاؤم يقول – إن تحقيق هذا الهدف قد يستغرق عقودًا وربما ستظل "معايير الجودة العالمية" في المادة 21 من الدستور مجرد حبر على ورق.
فقه الجودة عندنا يجب أن يتغير، ويجب أن تتم مضاعفة ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي، بما يسمح بتوفير بيئة تعليمية "عالمية"، والعمل على تخريج طالب "عالمي"، والسعي للارتقاء بمهارات أعضاء هيئة التدريس، فجودة التعليم ليست تيشيرتا نرتديه فتتحق الجودة.. جودة التعليم تحتاج لقرارات قد تبدو في غير مصلحة الطلاب، منها التفكير في زيادة المصروفات الدراسية ورفع الدعم بشكل جزئي عن التعليم الجامعي، وإقامة بنك للطالب يتم من خلاله منح قروض حسنة للطلاب الراغبين في استكمال التعليم الجامعي، مع منح الطلاب الحاصلين على 80% فأكثر منحا تدريجية، وهو أمر يحدث في كثير من دول العالم.
لم يعد هناك حديث عن جودة التعليم الجامعي، رغم نص المادة 21 من الدستور عليه، وأخشى أن تظل جودة التعليم حلما لا يلبث أن يتوارى وينساه الجميع، بما في ذلك الطلاب وأولياء الأمور، لتذّكر أحدهم بعد فترة بنص المادة 21 من الدستور، وبحقهم في تعليم وفقًا لمعايير الجودة العالمية، فيرد قائلاّ: أنت لسه فاكر!
دستور مصر لعام 2014، ينص – في المادة 21 - على أن الدولة تتكفل بتوفير تعليم جامعي "وفقًا لمعايير الجودة العالمية"، ولكن الواقع – وليس التشاؤم يقول – إن تحقيق هذا الهدف قد يستغرق عقودًا وربما ستظل "معايير الجودة العالمية" في المادة 21 من الدستور مجرد حبر على ورق.
فقه الجودة عندنا يجب أن يتغير، ويجب أن تتم مضاعفة ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي، بما يسمح بتوفير بيئة تعليمية "عالمية"، والعمل على تخريج طالب "عالمي"، والسعي للارتقاء بمهارات أعضاء هيئة التدريس، فجودة التعليم ليست تيشيرتا نرتديه فتتحق الجودة.. جودة التعليم تحتاج لقرارات قد تبدو في غير مصلحة الطلاب، منها التفكير في زيادة المصروفات الدراسية ورفع الدعم بشكل جزئي عن التعليم الجامعي، وإقامة بنك للطالب يتم من خلاله منح قروض حسنة للطلاب الراغبين في استكمال التعليم الجامعي، مع منح الطلاب الحاصلين على 80% فأكثر منحا تدريجية، وهو أمر يحدث في كثير من دول العالم.
لم يعد هناك حديث عن جودة التعليم الجامعي، رغم نص المادة 21 من الدستور عليه، وأخشى أن تظل جودة التعليم حلما لا يلبث أن يتوارى وينساه الجميع، بما في ذلك الطلاب وأولياء الأمور، لتذّكر أحدهم بعد فترة بنص المادة 21 من الدستور، وبحقهم في تعليم وفقًا لمعايير الجودة العالمية، فيرد قائلاّ: أنت لسه فاكر!