الفساد.. الفساد.. الفساد !!
نفس الحدوتة تتكرر وبذات الشخصيات الرئيسية والفرعية..رجل أعمال يرغب في تحقيق منافع على حساب قوت الناس ومقدراتهم، وموظف كبير يحصل على رشاوي وعطايا وهبات نظير تقنين الاعتداء على ممتلكات الدولة وحقوقها، ووسيط في الرشوة محترف في التدليس والغش واختراق أي مسئول مريض أو ضعيف أو فارغ العين!
قضية الفساد الأخيرة بوزارة الزراعة، تشابهت في وقائعها مع قضية فساد حدثت في محافظة الجيزة عام 1997 بذات الوقائع والأحداث، مع تغير في غالبية الشخصيات، فالمسئول الحكومى في واقعة الفساد الجديدة هو وزير الزراعة، بعدما كان هو محافظ الجيزة في العام 1997.
الهدايا والرشاوى والعطايا في القضيتين من نفس النوعية، فمحافظ الجيزة حصل على بدل وكرافتات ووجبات كباب وكفتة وطبنجة وجهاز تليفون محمول ونفقات رحلة إلى ألمانيا الغربية لإجراء جراحة في إحدى عينيه.
أما الهدايا والرشاوى التي طلبها وحصل عليها المتهمون في القضية الأخيرة، وكما ورد في بيان النيابة العامة كانت عبارة عن فيللا وهواتف محمولة ونفقات رحلة حج لستة عشر من أفراد أسر المتهمين، وملابس ونفقات إفطار في شهر رمضان.
القاسم المشترك بين القضيتين كان شخصا واحدا هو المتهم محمد فودة.. كان وسيطا في الرشوة بين رجل الأعمال الراشي ومحافظ الجيزة المرتشي في القضية الأولى، وكان هو أيضا الوسيط بين رجل الأعمال الراشي ووزير الزراعة ومدير مكتبه المتهمين بتلقي الرشوة في القضية الأخيرة !
المثير أن ذلك الشخص تم إعفاؤه من عقوبة توسطه في قضية رشوة محافظ الجيزة مستفيدا من نص المادة 107 مكرر من قانون العقوبات التي تنص على إعفاء الوسيط أو الراشي إذا ما أدلي باعتراف تفصيلي عن واقعة الرشوة، وهو ما حدث بالنسبة لرجل الأعمال الراشي في قضية محافظ الجيزة، وتثور حاليا التخوفات من أن تسير الأمور في القضية الأخيرة في ذات النهج، وربما يحصل ذلك الوسيط ورجل الأعمال الراشي على إعفاء من العقوبة، خصوصا وأن ما يتردد أنهما أدليا باعترافات تفصيلية عن الوقعة، ولكن لم يمكننا الجزم بما ستؤول إليه الأمور في القضية الأخيرة فلا تزال التحقيقات جارية، ولا يزال قرار حظر النشر عن تفاصيل التحقيقات في القضية ساريا.
فارق مهم ولافت بين قضية رشوة محافظ الجيزة ورشوة وزير الزراعة، هو تعامل السلطة السياسية مع الأمر، ففي القضية الأولى، تلكأت السلطة السياسية في اتخاذ الإجراءات القانونية بحق محافظ الجيزة المرتشي، وتم إخراجه من منصبه بعد فترة من تفجر وقائع القضية أمام أجهزة التحقيقات، وبعدها اتخذت الإجراءات ضده وأدين بحكم بات بالسجن لمدة سبع سنوات.
أما في القضية الأخيرة فقد كانت السلطة السياسية حريصة بل ومبادرة بالإطاحة بالوزير المتهم من منصبه فور توصل المعلومات عن تورطه إلى أجهزة التحقيق، وألقي القبض عليه وحبسه بعد دقائق من إقالته.
وبهذه الطريقة التي تعاملت بها السلطة السياسية مع اتهام وزير الزراعة تقاضي رشوة، تعالت الصيحات المؤيدة المساندة للسلطة السياسية وتفجرت أيضا المطالبات في غالبية الأوساط السياسية والشعبية في مصر، باستكمال السلطة الحالية توجيه الضربات للفساد والمفسدين، وأظن أن الثقة كبيرة في أن الحرب على الفساد ستتواصل.. ولكن.. أظن أن استكمال الحرب على الفساد يحتاج إلى استعدادات وتحسبات كبرى من السلطة السياسية، فشبكة الفساد قوية جدا ومتفرعة ومتوغلة في كافة أوصال المجتمع.. أظن أيضا أن استكمال السلطة السياسية لهذه الحرب يحتاج إلى مساندة ودعم جماهيري كبير جدا، وأري أن خطر الفساد على حياة هذه البلد وكيانها، لا يقل بحال من الأحوال عن خطورة تيار الإرهاب إن لم يكن يتجاوزه في الخطورة والتأثير إذا ما تمكن من الإفلات وحماية كيانه والمستفيدين منه !