رئيس التحرير
عصام كامل

السلفيون على خطى الإخوان!!


أين يكمن الخلل الذي أصاب الشخصية المصرية والعربية؟.. هل هو في التصور أم في السلوك؟.. وإذا كان التصور أو الفكر هو الحاكم للسلوك، فلماذا لا نغير ثقافتنا وتعليمنا وطرق تفكيرنا؛ حتى نتدارك هذا الخلل الرهيب في حياتنا، والهوة الواسعة بيننا وبين العالم المتقدم..


ألا يستلزم هذا التراجع والتدهور خصوصًا بعد ثورات الربيع العربي، التي ضربت أمتنا بعواصف وقلاقل ومخاطر لا تزال ماثلة باقتلاع جذورنا، أن نتعظ ونراجع أنفسنا ونجدد أفكارنا وخطابنا الإعلامي والثقافي والسياسي والديني؛ حتى نوقف حالة التلاسن والتصارع والجدال، وننتقل إلى حلول توافقية تبني ما تهدم وتعوض ما فات من خسائر؟

أليس حريًا بالإسلام السياسي، وخصوصًا جماعة الإخوان، أحد أسباب نكبتنا، أن يتوقفوا عن الهدم والتخريب باسم الدين.. والعدوان على الشعب والدولة وادعاء أنهم ملاك الحقيقة المطلقة، والكف عن خلط الدين بالسياسة والمتاجرة بالشعارات والتماهي مع الأعداء، وتمكينهم من تنفيذ مخططاتهم الشيطانية الهادفة لهدم أركان الدولة وتقويض استقرارها، وتمكين الإرهاب ومليشياته من مفاصل الأمة ومقاديرها، مثلما جرى في سوريا والعراق واليمن وليبيا؟!

من يتأمل ما يجرى في منطقتنا يجده كوميديا سوداء أو ضحكًا كالبكاء.. اكتشفنا بعد الثورات العربية إخوانًا يتمسحون في الدين، وليس في سلوكياتهم شيء من سماحته واعتداله.. ووجدنا سلفيين يمضون على خطى الإخوان يتاجرون بآلام الفقراء والبسطاء؛ من أجل مكاسب سياسية رخيصة، وقد ضبطوا متلبسين في توزيع عقار سوفالدي على مرضى الكبد، بالإضافة إلى الزيت والسكر طبعًا.. ويتعاملون مع أمريكا وكأنهم لم يتعلموا الدرس، ويترددون في مسارات متناقضة.. فبينما يحرّمون الخروج على الحاكم قبل ثورة يناير وأثناءها، ثم تماهوا مع الإخوان خلال العام الذي حكموا فيه ثم انقلبوا عليهم.. وهادنوا الدولة بعد 30 يونيو؛ انتظارًا لفرصة الصعود إلى البرلمان الجديد ولا نعرف ماذا سيفعلون إذا ما تمكنوا منه.. وما هي ضمانات احترامهم للدولة المدنية؟

شعبنا متدين في ظاهره، منفلت في باطنه وفي استهلاكه وعدوانه على القانون.

نستورد 80% من احتياجاتنا، ورغم ما نعانيه من تدهور وكساد اقتصادي، فلا نزال الأكثر استهلاكًا والأقل عملًا وإنتاجًا.

نستورد 80% من احتياجاتنا.. ولا نطبق الحكمة الأثيرة التي نادى بها الشيخ الشعراوي، بقوله "من أراد أن تكون كلمته من رأسه فلتكن لقمته من فأسه".

الدين يدعونا للاعتدال واللين فيما بيننا.. لكن نفرًا منا لا يزال يرى الدين عنفًا وتطرفًا واستحلالًا للدم بغير حق.. استسلمنا لحمى الاستهلاك التي ضربت حياتنا، ليس فقط في الغذاء الذي تذهب فوائضه لسلال القمامة، ويقتات عليها بعض الفقراء، وإنما إسراف في شراء المنشطات الجنسية والمخدرات وأجهزة المحمول والاتصالات والدجل والشعوذة وغذاء القطط والكلاب في بلد يعاني عجزا رهيبًا في الموازنة، وديونًا خارجية وداخلية غير مسبوقة، وبطالة وانحسارًا في الاستثمارات والسياحة، وارتفاعًا في الأسعار والتضخم.

وبدلًا من تقليل الفاقد والخسائر، غرقنا في جدل السياسة وصخبها وتناقضاتها، وغلو التطرف وعنف التشدد، ولم يشغل المتصاخبون أنفسهم بزيادة الإنتاج والتنمية وعودة الأمن والاستقرار، ودحر الإرهاب الذي يهدد وجودنا، ومواجهة الانحراف الفكري لفئة ضالة شوهت صورة الإسلام، وأفقرت دولة وأدخلتها لنفق الاحتراب الأهلي والفناء.. فإلى متى يستمر التدهور؟.. ومتى تصحو الضمائر ونفيق من الغفلة حتى لا تصبح دولنا أنقاضًا يرقص عليها مصاصو الدماء وتجار الدين ومخططات الهيمنة والاستعمار الجديد؟!
الجريدة الرسمية