رئيس التحرير
عصام كامل

إيلان والغيلان


لحظة الضمير العابرة التي شعر بها كل من رأى الطفل السوري إيلان، أقرب إلى ذلك الوخز الذي شعر به الضمير العالمي أمام صورة الطفل محمد الدرة، وصورة الطائر الموحول في بركة النفط على الشواطئ العراقية.

وما بين سوريا وفلسطين والعراق، شتات التهجير والدم والغرق في وحل حكام الاستبداد العربي، الذين أذلوا شعوبهم بالصمت والمداهنة تحت مزاعم وطنية ودينية، وترسيخ قانون العيب في الذات الملكية والأب الرئيس، أما سن قوانين تحمي حق الناس في الحياة بأوطانهم، فلا.

ملوك ورؤساء مغامرون كما ملوك الأندلس في نزعه الأخير، أخذتهم العزة بالإثم وأضاعوا الدنيا والدين والقصر، وأفنوا أتباعهم وشعوبهم على شواطئ البحر المتوسط، حقا إنه لمقبرة العرب قديمها وحديثها، جنيتهم الملعونة التي تخطف أبناء وطن مات ضمير نخبته التي أجادت التصفيق والعويل والنواح، أما تخريب وتهجير وتفتيت شعب فلا يهم، ولا يهمهم إلا استغلال المناسبة في الظهور!

كم مات بين الحاكم ونخبته من شعب؟.. كم غرق وسيغرق أطفالنا وآباؤهم وأمهاتهم وإخوتهم في بحيرة العرب الآسنة ولا أحد يدري عنهم شيئا؟.. فهل تعرفون حكاية الولد إيلان مع غيلان العرب والعجم؟!

في واقع الأمر، يوجد في كل ديار الوطن إيلان غريق في الجهل وسوء التربية والتعليم والتلقين، وهم وحظهم في غدهم، إما أن يكونوا مثل بعض النخب أفاقين أو مثل باقي شعوبهم مهمشين، وفي الحالتين يوصلون وطنهم إلى النكبة والنكسة والربيع العربي!

ثمة طفل عراقي وسوري ويمني ومصري وليبي، ماتوا في ظل أحداث العار اليومية التي نعيشها.. ماتوا ولم تسلط عليهم العدسات، لم نشعر بهم، لم تتجرأ الآلة الإعلامية على بث صورهم.. ماتوا في صمت ورحلوا إلى ربهم.

الغول العالمي لا يتحرك مجانا، ثمة تدوير وترويج وضغط قد يمارس في الخفاء والعلن، مستغلا صورة المسكين إيلان في أحط برامج الترويج البرجماتي السياسي، ثم يتلقف المغرضون العرب ويعرضون الصورة في رخص وابتذال إنساني، وفئة أخرى عديمة الرحمة توجه اللوم البذيء لكل متعاطف مع إيلان.

هذه الأصناف هم أبناء القردة والخنازير، في التقليد والتهور وبرودة قلب وعفن عقل.. صورة، وكم من صور عرَّت عهر ما نضمره؟.. أسقطت قناع اللطف والرحمة الذي نتاجر به في المناسبات؟.. أثبتت غياب وعينا؟.. إيلان وكل رفاقه يحكون لنا حكاياتهم مع غيلان العرب والعجم.. كيف؟

في مغيبة الوعي والرؤية، يتكرر يوميا نفس المشهد.. نتصنع الألم والحماس اللفظي ثم لا شيء، فقط يسقط وطن آخر منضما لسرب السقوط العربي الكبير.

الجميع يطلب في سفه منقطع النظير، أن تتقاسم أوربا مشكلة السوريين مع الأتراك، فبأي حق نهجر قومنا ولغتنا وعاداتنا وقيمنا وأعرافنا في ظل اتساع الخيرات في بلاد المسلمين، والأعجب أن العواصم العربية لا تكف عن وضع أصابع فسادها في دمشق.. ألا يخجل ملوك العرب وأثرياؤهم؟.. ألا يستشعرون الحرج من القول المنسوب للمستشارة الألمانية "سنقول لأولادنا في المدارس إن ألمانيا كانت أقرب للسوريين في حين مكة هي الأقرب لهم؟!".

فشلنا نحن حتى في العنتريات المتوارثة الرسمية، لم يتجرأ أحد بالقول إن مشكلة السوريين عربية عربية.. ويجب على العرب أن يتقاسموا قوتهم وبيوتهم مع الشعب السوري الكريم.. وعلى العرب أن يتحالفوا فيما بينهم لنصرة سوريا شعبا ووطنا ودولة.. وعلى مصر أن تنتبه لمصير سوريا وأنه ليس منا ببعيد.. ابحثوا عن خلاص حقيقي لتبديد كابوس خريف العجم المفروض علينا.

ولروح هذا الغريق الطافي على رمال شط الضمير الميت، آسف لكونك عربيا، وآسف أكثر لأنك سوري، وسط جنسيات صُم بكم عمي.. وإنا لمنتظرون صورة أخرى.
الجريدة الرسمية