تكييف الشعب هو الحل
المصريون لا يموتون من الجوع.. يموتون من الحر فقط.. لم يسجل تاريخنا الحديث رغم الفقر المدقع حالة وفاة واحدة بسبب الجوع.. مات خلال الأيام القليلة الماضية أكثر من مائة مصري من الحر.. الموتى كلهم من الفقراء.. الفقراء والمحابيس.. والفقراء ليس لديهم القدرة على شراء تكييفات، أما المحابيس فلأنهم محبوسون في تخشيبات تنضم إلى مواصفات سكن الفقراء.. وزارة الداخلية ليس لديها إمكانيات والمحابيس بلا رحمة لا يتبرعون لتكييف مواقعهم.
ربما لا نموت جوعا لأن شعبنا متضامن بطبعه أو لأن الدولة لا تزال تدعم رغيف العيش ونظن أن الدعم.. دعم الفقراء هو مربط الفرس، وبالتالى فإن دعم الفقراء لتكييف بيوتهم لم يعد ترفيها وإنما إنقاذ لحياتهم.. الحر كافر مثل الجوع ونحن نطارد كفر الجوع بالرغيف ومن هنا يجب أن نطارد كفر الحر بالتكييف فيما يمكن أن نسميه تكييف الشعب.
وللحصول على دعم التكييف أو الحصول على بطاقة “مواطن متكيف” مثل بطاقة التموين فإن الأمر أبسط من كل محاولات الحكومة التعرف على حقيقة الطبقات التي تحتاج إلى دعم.. أول الأمر لابد من صدور قرار للمهندس إبراهيم محلب باعتبار التكييف جزءا من الرغيف، وذلك بضم كل المواطنين الحاصلين على بطاقات تموين إلى مشروع تكييف المواطنين.
وقبل أن تنطلق المظاهرات في الشارع تحت شعار “تكييف بدون تيار.. كارو بدون حمار”، فإن السيد إبراهيم محلب سيطلب من وزير الكهرباء وضع تصور عام حول مشروع دعم التكييف وبالطبع فإن وزير الكهرباء سيعود بعد يومين واضعا تصوره الذي يتلخص في إمكانية دعم كهرباء المراوح باعتبارها الشريحة الأعم والأشمل في المحافظات الساحلية إذ أن سكان هذه المحافظات يتمتعون أكثر من غيرهم بميزة نسبية تفرض عليهم التضحية من أجل سكان الداخل.
سكان وجه بحرى سيحظون بمراوح مزودة بأحواض من الثلج وسيشمل الدعم شقى العمل بهذا النظام، أي يتسلم المواطن كميات من ثلج الحكومة بالسعر الرسمي، إضافة إلى كهرباء المروحة أما سكان وجه قبلى فإن هؤلاء ستحظى كل أسرة بتكييف واحد حصان، وذلك للتبريد في حدود الإبقاء على حياة المواطن دون التمتع إلى درجة النوم.. فقط للإبقاء على المواطن حيا !!
ويكمل وزير الكهرباء تصوره العام حول مشروعه لتكييف الشعب بالحديث عن أهالي سيناء الذين ضحوا من أجل الوطن وجاء الوقت ليرد لهم الوطن جزءا من تضحياتهم - هكذا سيقدم لتصوره - ومن أجل ذلك فإن أهالي سيناء سيحظون بالقدر الأكبر من من الدعم وذلك بحصول الأسرة على تكييف صحراوى للعمل نهارا فقط دون الليل ومن أجل التأكد من عدم التشغيل ليلا فإن وزارة الكهرباء ستفصل التيار ليلا على أن يعامل سكان الوادى الجديد والواحات البحرية معاملة أهالي سيناء.
هنا تظهر مشكلة نوع التكييفات الرسمية وهل تلجأ الحكومة إلى الأمر المباشر.. الحكومة من جانبها باعت كل المصانع وليس لديها مصانع للتكييفات.. الصحف والإعلام ينشران تقارير عن الشركات التي ستفوز وعلاقاتها برجال سلطة وزراء أو خفراء.. رئيس الوزراء يتراجع عن فكرة الأمر المباشر.. أخيرا تعلن وزارة الإنتاج الحربى عن تحمل كافة التفاصيل الإنتاجية لهذا المشروع وستطلق على هذا التكييف أطلس!!
هذا التصور الذي قد يراه البعض ساخرا ربما يصبح جزءا من نقاش عام تفرضه علينا ظروف تغير المناخ بعد أن وصلت العولمة إلى الطقس، خاصة وأن هذه العولمة لم يسيطر فيها المناخ الأوربى بل نقلت إلينا الخليج بكل قسوته دون أن تنقل لنا بتروله!!!