موسم حرق الرئيس!
العابرون من قاهرة المعز إلى الإسماعيلية الساكنة على ضفاف قناة التاريخ التليد، قد يفاجئهم ما حل بطريق السفر، ولمن لا يعرف فإن الطريق قد تورد وشب، وعاد إلى ما هو أبعد من سابق عهده بكثير.. فقد كان الطريق لمن عرفه عجوزا، تزينه شروخ تتسع وتضيق حسب الظروف، وكأنما تجاعيد الزمان قد لعبت به كما تفعل بعجوز قضى العمر يناطح الحاجة والعوز فينتصر مرة ويُهزم مرات.
العابرون الآن سيجدون الطريق وقد اتسع وتوسع، ازدان بخطوط بيضاء من غير سوء، خطوط المشاة مرسومة، وكأنها وشم أبيض على جبين أسود من الفحم، الخطوط الصفراء في مواضعها تهدى العالمين ببواطن إشارات المرور وتسوقهم إلى حيث يجب، أما الرمال على جانبى الطريق والتي عرف عنها تطاولها على الطريق، فإنها تهذبت وتأدبت وخضعت لسيطرة إدارة الطرق، فأصبحت وكأنها تأتمر بأمره.
على جانبى الطريق وفى بعضه -ليس كله- سترى نجيلا أخضر سرت الحياة في أوصاله، بعد أن كان أصفر بحكم تجاوره مع رمال صبغت ألوانها عليه، الآن عاد أخضر دون شك، حيا، نضرا، يعجب الزراع ويغيظ الكفار رغم أنه لا حصاد فيه ولا ثمار، اختفت كل علامات الإهمال.. لم تعد هناك حفر الموت المفاجئ، ولا منحنيات الخطر الملعون، أصبح الطريق ناعما كالحرير.
هذه الحياة التي دبت في الطريق إنما جاءت لأن سيادة الرئيس وضيوفه مروا عليه لافتتاح مشروع تطوير قناة السويس، وللحقيقة وإيثارا لقول الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك فإن الرؤساء يمضون وتبقى الطرق.. عندما قالت الأجهزة لمبارك إن الناس يتندرون لأن المسئولين يرصفون الطرق، عندما يعرفون أنك ستمر عليها فقال قولته الشهيرة: “سأمضى من عليها وأتركها للشعب”.
مضى الرئيس السيسي أو ضيوفه من على الطريق، وبحمد الله تعالى بقى لنا الطريق نستمتع به ذهابا وإيابا.. صحيح قد يصفر النجيل وتتدهور صحته، وقد تختفى بعض شجيرات أحضرت لأسباب الزيارة، ولم يكن مخططا لها البقاء دوما من أجل الجماهير إلا أن الطريق باق لا تقلقوا!
لم يكن الطريق وحده هو الذي تغير، في مدن كثيرة تحرك رؤساء الأحياء، زاروا أصحاب المحال طالبوهم بتعليق لافتات تهنئة بمناسبة “القناة الجديدة”، وذلك إمعانا وتأكيدا على أن الشعب فعلا “بيفرح“، على مدخل المعادى حيث يقع مبنى وزارة البيئة لافتات من الوزارة تهنئ بالقناة الجديدة، لم يكن وزير البيئة الذي تخلو صفحة إنجازاته من أي سطور، وحده من الوزراء الذي قرر استعادة عصر مبارك باللافتات.. شاركه آخرون من الوزراء والمحافظين.
علميا قالوا إن الضغط يولد الانفجار، وسياسيا يقولون إن الضغط يولد النفاق، وحتى سوق النفاق في مصر قد أصابه خلل، ولم يعد هناك منافقون يلتزمون بأصول النفاق فقد كان الكاتب الفرنسى الشهير آندريه جيد يقول “المنافق الحقيقى هو الذي لا يدرك خداعه لأنه يكذب بصدق” وهذا يعنى أن حرفة النفاق قد أصابها خلل مثل ذلك الذي أصاب الصدق.
والشعوب قد تهرب من الضغط دون السقوط في مستنقع النفاق، ولا أدل على ذلك من تلك القصة التي تروى عن الدمايطة، والتي لا أعرف مدى دقتها، يقولون إنه أيام عبد الناصر قرر الرجل أن يزور المحافظة فعلق أهلها لافتة حديدية كتبوا عليها “شعب دمياط يرحب بالسيد الرئيس وصحبه الكرام” دون تحديد اسم الرئيس حتى تصلح لكل رئيس يأتى بعد عبد الناصر.. ذهب عبد الناصر وبقيت اللافتة.. رحل السادات وظلت اللافتة !!
والسؤال البديهي: هل يحتاج رئيس منتخب للنفاق؟.. مقولة سيدنا على بن أبى طالب تؤكد خطر النفاق على أصحابه.. يقول سيدنا على: “إن من النفاق ما هو أصعب احتمالا على أصحابه من الصراحة”، والسؤال مرة أخرى: هل يحتاج السيسي إلى النفاق أم أن النفاق هو الوسيلة التي قد يستخدمها البعض لهدم شعبيته.
ما حدث في الأيام القليلة الماضية يشير إلى خطر المنافقين على شعبية الرئيس، ويكفى أن ترى على إحدى الفضائيات أغنية وطنية قديمة من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، ويوضع لها مونتاج جديد لتصب في اتجاه السيسي، وكأن عبد الوهاب عاد للحياة.. لحن الأغنية واتكل!!
وما بين طشت أم وجدى غنيم وقناة السويس الجديدة مساحات من المبالغة الممقوتة، فالتطوير ليس طشتا وليس قناة جديدة.. المشروع العظيم الذي أنجزناه في عام واحد ليس قناة جديدة، ولا يعادل انتصار ٦ أكتوبر، ومحاولة تشبيهه بعظمة الانتصار هو نفاق من النوع الذي لا يعرف أصول النفاق.. وكما يقولون في الشعر مبالغة ممقوتة، أما القول بأنه طشت أم وجدى فإنه أيضا تسطيح لم يواجهه إلا شعب فيس بوك، بكل ما يحمل من مفردات تخرج من ثوب الكلمات إلى مساحات الفعل الجنسى الفاضح.
وأخيرا،،، لا يسعنى إلا أن أطالب السادة المنافقين بالالتزام بقواعد النفاق المتعارف عليها، ومن لا يعرف فإن عليه زيارة صفحات رواية أرض النفاق، وقبل هذا وذاك فليبحث عن رئيس غير منتخب، وما أكثرهم في محيطنا “المنيِل بستين نيلة”.