وتعيشي يا فرحة مصر
مصر فرحت.. وفرح شعبها التواق إلى الفرحة، الباحث عن السعادة.. لذلك كان طبيعيا أن يخرج المصريون فرادى وجماعات معبرين عن تلك الفرحة مقتنصين من فم الزمان لحظات سعادة وسرور، بعد أن ألجمهم وألهب ظهورهم اليأس والإحباط والفشل لسنوات عجاف طويلة امتدت لأكثر من ثلاثين سنة كانوا ينتقلون فيها من سيئ إلى أسوأ، يصبحون كل يوم على كارثة أو هم.. والسؤال بعد كل ذلك لما يستكثر البعض على الشعب فرحته وسعادته بأنه أخيرا قد أنجز؟
إن فرحة المصريين ليس بقناة السويس على الرغم من أهميتها وعظم أهدافها، وإنما فرحة مصر والمصريين؛ لأنهم أدركوا أخيرا أن هناك ضوءا في نهاية النفق المظلم الذي طال بهم.. فرحة المصريين أنهم أدركوا أنهم قادرون على الفعل بعد أن ظلوا لسنوات مفعولا بهم.. وكم فعل بهذا الشعب الأفاعيل..
فرحة المصريين بقناة السويس ليس فقط لأنهم أنجزوا في وقت قياسي، ولكن لأنه أصبح لديهم أمل في أن تكون لديهم قيادة - اتفق أو اختلف معها البعض، فهذا سنة الحياة وطبيعة السياسة – إلا أنها قيادة تمتلك القدرة على الإبداع والحلم والقدرة على تنفيذ الحلم، بعد أن عانينا لنحو 35 عاما من قيادة الموظفين التي ترفع شعار ليس في الإمكان أبدع مما كان، قيادة عايرت المصريين كل يوم بلقمة العيش والعيش في ذل..
فرحة المصريين أنه أصبح أخيرا لديهم أمل في التخلص من مساوئ الأنظمة السابقة، التي تحمل المواطنون خاصة البسطاء منهم، نتائج غباء وجهل وضعف هذه القيادات من صحتهم وتعليمهم وثقافتهم ومستوى معيشتهم وكرامتهم، فهانوا على الجميع بعد أن هانوا على مسئوليهم..
أدرك المصريون أن هناك إرادة لبناء الوطن، وهذه الإرادة من المؤكد أنها ستسعى لتصحيح أخطائها أولا بأول، ويدركون أنه مع الوقت سيتم التخلص من الإهمال باعتباره العدو الأول لمصر وضحاياها الأعلى والأكثر، كما سيتم التخلص من الفساد الذي توغل وانتشر وتعمق وصار مع الوقت أسلوب حياة قننته القوانين الفاشلة والسياسات الخاطئة التي حكمت مصر قبل 25 يناير..
فرحة المصريين بافتتاح قناة السويس هي رسالة للقيادة السياسية، أن الشعب معكم يلتف حولكم يدعمكم فلا تخذلوه ولا تكونوا عليه كما كان من قبلكم، فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف.. هي رسالة للقيادة السيادية كما تساوي فرحة هذا الشعب وكما تساوي سعادة طفل نهش في جسده المرض، فرسمتم البسمة على شفتيه والفرحة في قلبه وقلب كل المصريين من أجله..
سيادة الرئيس لا شك أنكم تستطيعون أن تبقوا على هذه الفرحة.. وأن تظل تلك الابتسامة مرسومة على أفواه المصريين، إذا ما ضربتم بقوة معاقل الفساد والإهمال، إذا ما استطعتم تصحيح منظومة العلاج، فيحصل المواطن على علاجه وهو حق له بشكل كريم يحفظ له آدميته فلا يتسوله بماء وجهه، ولا يموت قبل أن يجد مكانا يتلقى فيه علاجه بعد أن تمكن المرض من أجساد المصريين بفعل المبيدات المسرطنة، والفاكهة المهرمنة، والأغذية منتهية الصلاحية، والضمير الذي أخذ عصاه ورحل عن هذا الوطن، فصار الغش والإهمال هما سيدا الموقف فيه، وهو يجد أيادي مرتعشة وجيوبا منفتحة..
نعلم أن هذه المفاسد وهذه المساوئ نشأت وظهرت ونمت وترعرعت في عهد غير مأسوف عليه.. عهد كان الفساد والإهمال والعشوائية والجهل والبلطجة عنوانه ومحرابه.. ولكن المصريين رغم كل شيء ما زال يحدوهم الأمل في أن يعلُوا فوق كل ذلك ويُبعثوا من جديد، وأن يسود العدل والإنصاف، وتعود اللحمة للشعب المصري وتختفي الفرقة والانقسام.. فما عليه مصر لا يليق بها ولا بشعبها ولا يليق برئيس يحب هذا الوطن.. وقد أثبت المصريون أنهم قادرون على العمل والإنجاز من أجل أن تعيش فرحة مصر..