رئيس التحرير
عصام كامل

قناة السويس «التاريخ إن حكى».. فشل حفرها أكثر من مرة و«ديليسبس» أقنع الخديو بالموافقة..الفراعنة أول من فكروا في حفر قناة تربط النيل بالبحر الأحمر.. وعمر بن الخطاب أنقذ الملاحة بقرا

 قناة السويس
قناة السويس

تمثل قناة السويس شريان حياة لمصر بماضيةا وحاضرها ومستقبلها فهى أهم ممر مائى صناعى في العالم، يبلغ طولها 193 كم وتصل ما بين البحرين الأبيض والأحمر، وتنقسم إلى قسمين شمال وجنوب البحيرات المرّة حيث تسمح القناة بعبور السفن بين أوربا وآسيا، وتعتبر أسرع ممر بحرى بين القارتين وتوفر نحو 15 يومًا في المتوسط من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح.


ترجع فكرة حفر قناة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر إلى أقدم العصور، حيث سجل التاريخ أن مصر شقت أول قناة صناعية على وجه الأرض، فقد حفر الفراعنة قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر، وجرت هذه القناة حينًا وتوقفت آخر.
وعندما فتح المسلمون مصر جدد عمرو بن العاص هذه القناة تنفيذًا لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب، وفى رواية للمقريزى أكد أن السفن استطاعت أن تصل من الفسطاط إلى القلزم (السويس) إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة بعد أقل من عام على الفتح، ومجَّد الفيلسوف والشاعر الفرنسى المعروف فولتير فضل عمر بن الخطاب على الملاحة بتجديده لهذه القناة الحيوية التي استمرت في العمل نحو مائة وخمسين عامًا حتى أوصدها عند نهايتها أحد الخلفاء العباسيين سنة (159هـ/ 775م).

يعد المصريون القدماء أول من شق قناة لربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عن طريق نهر النيل وفروعه وكانت أول قناة أنشأها سنوسرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرةعام 1874 ق.م.، ثم أهملت وأعيد افتتاحها عدة مرات تحت عدة أسماء منها قناة سيتى الأول عام 1310 ق.م، قناة دارا الأول عام 510 ق.م.، ثم قناة بطليموس الثانى عام 285 ق.م.، وقناة الرومان في عهد الإمبراطور تراجان عام 117، وقناة أمير المؤمنين عام 640 التي ظلت تعمل 150 عامًا إلى أن أمر الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور بردمها وكانت تصل بين الفسطاط والسويس وسدها من ناحية السويس، منعًا لوصول أي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي، ومن ثم أغلق الطريق البحرى إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل وأغلقت القناة حتى عام 1820، وعندما اكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادى تغيرت معه حركة التجارة العالمية.

عقب اكتشاف البرتغالى فاسكو دى جاما لطريق رأس الرجاء الصالح‏،‏ تضرر اقتصاد وتجارة مصر المملوكية واقتصاد البندقية ونابوليوجنوة بشكل بالغ،‏ فما كان من أمراء البندقية إلا أن وفدوا على مصر عام ‏1501‏ ليعرضوا على السلطان الغورى فكرة الاستغناء عن طرق القوافل واستبدالها بالنقل عبر النيل بحفر قناة تصل بين البحرين الأحمر والأبيض‏،‏ إلا أن ظروف مصر وصراعها مع العثمانيين في ذلك الوقت والذي انتهى باحتلالهم للقاهرة سنة 1517‏ لم يسمح بإنشاء مشروع بهذا الحجم‏، ومات المشروع حتى اقترحه الفيلسوف الألمانى الشهير لايبيتز على الملك لويس الرابع عشر في إطار مشروع شامل لغزو مصر، ولكن الملك لويس لم يُرِد إغضاب الباب العالى في الأستانة من ناحية‏،‏ ولأن أحلامه التوسعية كانت في أوربا‏.‏

عندما قامت الثورة الفرنسية دخلت في صراعات مسلحة دموية مع ممالك أوربا واستطاعت الانتصار عليها إلا مملكة واحدة وهى إنجلترا‏، أرادت فرنسا قطع طريق المستعمرات البريطانية في الهند باحتلال مصر فقامت الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798 حيث أعطت حكومة الديركتوار التي كانت تحكم فرنسا أمرًا مباشرًا لنابليون‏ بونابرت بالقيام بحملة لحفر قناة تربط بين البحرين ولذا كانت تسمى «قناة البحرين».

وفى عهد نابليون بونابرت وأثناء وجود الحملة الفرنسية بمصر، وتحديدًا يوم 14 نوفمبر 1799 كُلّف أحد المهندسين الفرنسيين ويدعى لوبيير بتشكيل لجنة لدراسة منطقة برزخ السويس لبيان جدوى حفر قناة اتصال بين البحرين إلا أن التقرير الصادر عن لجنة لوبيير كان خاطئًا وذكر أن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من منسوب مياه البحر المتوسط بمقدار 30 قدم و6 بوصات، بالإضافة لوجود رواسب وطمى النيل وما يمكن أن يسببه من سد لمدخل القناة مما أدى لتجاهل تلك الفكرة.

وعاد نابليون إلى القاهرة دون أن يحقق هدفه، حيث تولى المشروع مجموعة من المهندسين من خريجى مدرسة البوليتكنيك الشهيرة وكانوا مفتونين بعظمة نابليون ويطلق عليهم اسم السان سيمونيين‏‏ وأتوا إلى مصر في عصر محمد على سنة 1832‏ وحصلوا على إذن منه بالذهاب إلى الموقع من جديد وتبين لهم أن البحرين مستويان وأن مهندس نابليون أخطأ الحساب والتقدير‏،‏ إلا أن محمد على رفض فكرة حفر القناة إلا بشرطين أولهما أن تضمن القوى العظمى حيادية القناة‏،‏ وبالتالى استقلال مصر‏،‏‏ وثانيهما أن تمول القناة بالكامل من الخزانة المصرية،‏‏ مما أظهر حنكة وبُعد نظر محمد على باشا في مسألة القناة،‏ إلا أن الشرطين قوبلا بالرفض.‏
في عام 1854 استطاع ديلسبس إقناع الخديو سعيد وحصل على موافقة الباب العالي، ومنح الخديو سعيد الشركة الفرنسية حق امتياز القناة لمدة 99 عامًا حيث استغرق بناء القناة 10 سنوات (1859 - 1869)، وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون عامل مصري، ومات خلالها أكثر من 120 ألفا منهم أثناء عملية الحفر نتيجة الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة.

وفى حفل مهيب بميزانية ضخمة للغاية تم افتتاح القناة في عام 1869، وفى عام 1905 حاولت الشركة تمديد حق الامتياز 50 عامًا إضافية إلا أن المحاولة فشلت لاحقًا، وفى يوليو عام 1956 قام الرئيس عبد الناصر بتأميم قناة السويس، والتي تسببت لاحقًا في إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على مصر ضمن العدوان الثلاثى والذي انتهى بانسحابهم.

تسببت حرب 1967 في إغلاق قناة السويس لأكثر من 8 سنوات، حتى قام الرئيس السادات بإعادة افتتاحها في يونيو 1975، شهدت القناة بعد ذلك محاولات لتوسيعها بدأت عام 1980 وكذلك فكرة تحويلها إلى منطقة خدمات لوجستية، وفى 5 أغسطس 2014 تم تدشين مشروع حفر قناة موازية للممر الملاحى الحالى بطول 72 كم، لتمكين السفن والناقلات من عبور القناة في كلا الاتجاهين في ذات الوقت وتلافى المشكلات الحالية من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، وتقليل زمن رحلة عبور القناة بشكل عام، مما يسهم في زيادة الإيرادات الحالية للقناة على أن ينتهى المشروع خلال عام واحد في 6 أغسطس 2015.

وتعد قناة السويس أحد أهم المجارى البحرية في العالم حيث بلغت إيرادات القناة في العام المالى (2014 - 2015) نحو 39 مليار جنيه مصرى ويمر عبر القناة ما بين‏ 8%‏ إلى‏ 12% من حجم التجارة العالمية.
الجريدة الرسمية