حرب السولار.. رؤية غائبة أم مغيبة؟
العظام هى الهيكل الحامل للكيان البشرى، دونه يكون كياناً رخواً له حركة إلا أنها مشـــلولة فى المحل، وله حياة إلا أنها غير فاعلة أو منتجة، كذلك الوقود البنزين والســـولار، هــــو الهيكل العظمى للحياة الحديثة، دونه تعود الحياة القهقرى إلى الوراء، من حياة الفيمتو/ثانية والنانو تكنولوجى إلى حياة العجلات الخشبية، فالوقود كاكتشاف حديث نقل البشرية خلال القرن الأخير نقلة نوعية لم تحدث على مدار آلاف السنين. ووسائل النقل المختلفة تعـتمـد على الوقود فى حركتها، فإن غاب الوقود غابت الحركة، وإن غابت الحركة غابت الحياة، غـابــت الحياة عن حركة الأفراد من وإلى أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم ومصانعهم، غابت الحياة عن البضائع والحركة التجارية والاقتصادية، غابت الحياة عن الأسر التى تعيش على ما تدره هذه الوسائل من دخول، فضلاً عن التعسر إن لم يكن التوقف عن سداد الأقساط الخاصة بشراء هذه الوسائل، والتعرض لمخاطر المساءلة القانونية عن ذلك، ولا يخفى ما يترتب على ذلك مـــن
ارتفاع أسعار السلع والخدمات فى ظل حالة التضخم الراهنة التى أعيت الاقتصاد المصرى على نحو غير محتمل فى ظل التدنى الحاد فى مستوى الدخول والانخفاض الحاد فى القوة الشرائيــة للجنيه المصرى، وتدنى قيمته فى مواجهة العملات الأخرى. فما هو السر وراء أزمة الـوقـود التى تعانى منها مصر الآن؟
يذهب البعض إلى القول بأن العلة وراء هذا النقص هى مؤامـرة تقف وراءها القوى المضادة للثورة التى تقوم بشرائه من الأسواق ثم تفريغه فى الصحـــــراء
بغية خنق الأسواق، ويذهب البعض الآخر إلى القول بأن الشركات التى تقوم باستيراد الوقـــود هى شركات تابعة لفلول النظام السابق، وبالتالى فإنها تتعمد تأخير السفن فى عرض البـــحــر وبيعها قبل أن تدخل إلى البلاد، ويذهب بعض ثالث إلى القول بأن الشاحنات المحملة بالوقود تستكمل طريقها إلى غزة عن طريق الأنفاق، وبالتالى تواجه السوق المصرية شــحاً متعـمـــدا لصالح جهات غير مصرية، وفى قول رابع إن العلة وراء ذلك هو عجـز الحــكومة عـن توفــير الغطاء النقدى للشراء، كل هذا الكلام قد لا يصح كله جملة واحدة وقول واحد، وقد يصح كلـــه وقد يصح بعضه دون البعض، كل ذلك لا يعنينى فى شىء كمواطن، ما يعنينى هو توفر تلك السلعة بالسعر الذى يتناسب مع دخلى، أما عن حل هذه الأزمة فمرهون بوجــود ثلاث وزارات معنية فى الحكومة المصرية هى وزارات البترول والتموين والداخلية، وهذه الوزارات قائمة فى مصر ولابد أن نسأل القائمين عليها: هل لديكم رؤية متكاملة للخـروج من الأزمـــة؟ فإن كانت الإجابة بالنفى فعلى كل مسئول فيها أن يحمل عصاه على كتفه ويرحل غير مأسوف عليه، لأنه فقد مبرر وجوده ومصر لم تعدم الكفاءات من أبنائها بعد، وإن كانت الإجابة بالإيجــاب فيصبح التساؤل عمن يغيب هذه الرؤية مشروعاً، والكشف عنه واجب وطنى، والتستر عليـــه خيانة تستوجب المساءلة والمحاسبة، إن الأمر جد لا هزل فيه، فقد أصبح طلب الوقود دونـــه الحياة، والتقاتل عليه بالأسلحة البيضاء والأسلحة الآلية والرشاشة وقد سقط جرحى وقـتـلـى فى سبيل أولوية الترتيب فى صفوف الانتظار وأضحى الوقود أغلى من الدم، ويبقى التساؤل: هل الرؤية غائبة أم مغيبة؟!