رئيس التحرير
عصام كامل

حين كان الألمان لاجئين

فيتو

حاليا هناك 60 مليون لاجئ في العالم، وهذا عدد أكبر بالمقارنة مع الماضي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان عدد اللاجئين الذين تم تهجيرهم قسرا إلى ألمانيا، 12 مليون شخص، فكيف كانت أوضاعهم وكيف تم استقبالهم في ألمانيا؟

فيرنر كروكوفسكي، هو أحد أفراد أسرة ألمانية عاشت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، في منطقة كانت تعتبر سابقا أرضا ألمانية، وتحولت إلى أرض بولندية بعد الحرب العالمية الثانية، وصل أفراد هذه الأسرة صيف عام 1945 إلى مدينة هيلمشتيت الواقعة في غرب ألمانيا، وذلك بعد معاناة الهرب ومآسي التهجير.

وُلد فيرنر كروكوفسكي وترعرع في مدينة نوي شيمانن الألمانية الشرقية، التي تقع اليوم في بولندا، فبعد استسلام النظام النازي الألماني المجرم بشهرين، رسم الحلفاء حدودا جديدة في أوربا.

عام 1945 خريطة جديدة لأوربا
أدى التقسيم الجديد لخريطة أوربا، إلى حدوث موجات من هجرة الشعوب داخل أوربا، فالاتحاد السوفيتي حصل على مناطق بولندية شرقية، بينما حصلت بولندا على مناطق ألمانية شرقية.

كما حصلت تشيكيا على مناطق كانت تحت السيطرة الألمانية في عهد النازية، آنذاك وجد ملايين الألمان أنفسهم مجبرين على ترك أوطانهم، من بينهم أفراد أسرة كروكوفسكي الذين سكنوا بداية تحت ظروف صعبة في شقة صغيرة لدى أقرباء لهم في هيلمشتيت.

نقص كبير في عدد المنازل
بعد السكن لمدة شهرين في نقطة تجميع الوافدين في مدينة زالتسغيتر، انتقلت أسرة كروكوفسكي إلى منزل مؤقت مبنٍ بالخرسانة، سكن عدد كبير من اللاجئين والمهجرين في مثل تلك المنازل المؤقتة حتى خلال ستينيات القرن الماضي؛ حيث حولت الحرب ألمانيا إلى خراب كبير، وكان هناك نقص كبير في عدد المنازل.

وفي حالات كثيرة لجأت السلطات المختصة إلى إيواء اللاجئين والمهجرين الوافدين على ألمانيا، في بيوت السكان المحليين، ما أدى إلى حدوث نزاعات بين السكان القدامى والجدد.

في أغلب الحالات، بقى اللاجئون والمهجرون في نقاط التجميع هذه، وفي عدد من المناطق السكنية المؤقتة دون أن يكون هناك تواصل اجتماعي قوي بينهم.

وفي المناطق الكاثوليكية التي تم فيها إيواء لاجئين بروتستانت، عاشت الطائفتان على مدى عقود بمعزل عن بعضهما البعض، وعندما أُتيحت لعدد من اللاجئين فرصة الحصول على قروض بشروط ميسرة لبناء بيوت خاصة بهم، أثار ذلك شعور الحسد لدى السكان المحليين.

التكيف الاجتماعي وسبل النجاح
لم يحدث الاختلاط بين اللاجئين والمحليين إلا تدريجيا، إلا أن فيرنر كروكوفسكي الذي احتفل في بداية عام 1946 بعيد ميلاده الحادي عشر، لم يجد صعوبات في الدخول في علاقات تواصلية مع آخرين، ورغم أن لهجته أثارت في البداية سخرية الأطفال المحليين، فإنه واجه تلك السخرية بتقليد لهجتهم فتعلم اللغة الألمانية الفصحى بسرعة.

وعلى العكس من المراهق فيرنر، فإن المسنين من بين اللاجئين وجدوا في حالات كثيرة صعوبات في عملية التكيف مع المحيط الجديد؛ لأنهم كانوا يأملون في العودة إلى وطنهم المفقود، ومن بينهم والدا فيرنر أيضًا، وبينما انضم عدد كبير من هؤلاء إلى الاتحادات والمنظمات المرتبطة باللاجئين المهجرين؛ للمساهمة في تحقيق حلم العودة إلى الوطن، فإن الشباب فضلوا التكيف مع الواقع، فانسجموا مع السكان المحليين باستمرار.

ويوضح مسار حياة فيرنر كروكوفسكي، العنصر المهم من أجل الاندماج في أي مجتمع: خلال الخمسينيات تطلبت إعادة البناء في جمهورية ألمانيا الاتحادية، توفير أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة، وقد تلقى فيرنر تدريبا مهنيا كميكانيكي ختمه عام 1953.


وفي عام 1962، تزوج وانتقل إلى أول شقة سكنها مع أسرته، وبعد ميلاد ابنتين أقدم على بناء بيت خاص لأسرته، ويمكن القول إن جمهورية ألمانيا الاتحادية أصبحت حينئذ الوطن النهائي للسيد فيرنر.


المؤرخة ماريتا كراوس، تعتبر أنه "يمكن التعلم من جميع الدول التي استقبلت أشخاصا من خارج البلد؛ حيث يجب إتاحة الفرصة لهم سريعا للعمل"، كما تشير إلى أنه من المحتمل أن يساعد ذلك بالخصوص اللاجئين من سوريا وأفريقيا في يومنا هذا.

وبينما قام اللاجئون المهجرون في جمهورية ألمانيا الاتحادية، بدور محرك المعجزة الاقتصادية فيها، احتاجت جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية السابقة إلى هؤلاء كعمال في خدمة اقتصادها الموجه.

وعلى العكس مما كان عليه الأمر في ألمانيا الاتحادية؛ حيث تأسست اتحادات ومنظمات خاصة لخدمة مصالح اللاجئين، فإن مثل ذلك كان محظورا في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة، ويمكن القول إن إدماج اللاجئين والمهجرين هناك تم بشكل إجباري.

فرصة سانحة لألمانيا الموحدة
الاندماج الناجح لللاجئين رهن بوجود عوامل تنطلق من كرامة الإنسان، إضافة إلى سكن لائق والاستعداد للتكيف، وبالطبع وجود ترحيب للمهاجرين في طرف المجتمع.

ورغم الصعوبات التي وجدها اللاجئون والمطرودون الألمان في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كان باستطاعتهم الحديث بنفس اللغة، كما كانت لديهم نفس الثقافة، بينما تُعتبر صعوبات المهاجرين اليوم أكبر بكثير.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية
عاجل