فوضى الإعلان في المكان والزمان
الإعلان بمفهومه الشامل هو وسيلة للتعريف بسلعة أو خدمة؛ بغرض البيع أو الشراء أو لفكرة أو لرأي بغرض القبول والتأييد، وقد عُرف الإعلان منذ العصور الفرعونية، وتطوَّر تطوَّرًا كبيرًا حتى وقتنا هذا، وتنوعت وسائله على مر الأزمان والعصور.
وما يهمنا في هذا المقام هو الإعلان في مصر - شكلًا ومضمونًا، مكانًا وزمانًا - لقد وصل الإعلان كما الإعلام المصري، إلى درجة لا يمكن الصمت تجاهها ولا يجب تجاهلها، بل بالأحرى التنبيه لخطورتها والعمل على مواجهتها.
لقد انتشرت في طرق وشوارع المحروسة وتحت أرضها وفوق كباريها وأعلى مبانيها، آلاف اللوحات الإعلانية المضيئة وغير المضيئة مختلفة الأحجام والأشكال، تكاد تُخفي الطريق عن العابرين والمارين المترجلين منهم أو سائقي السيارات والمركبات، الذين لو غفلت عيونهم طرفة أو لحظة واحدة لحدثت كوارث مفجعة، خاصة فوق الكباري، ناهيك عن الاستهلاك المفرط في الكهرباء.
لقد غزت الإعلانات موجات الإذاعة وقنوات التليفزيون الرسمية المختلفة، وكذلك الفضائيات بشكل رهيب لم يسبق له مثيل منذ سنوات عديدة، وسطت هذه الإعلانات على المواد المذاعة، ما أهدر حقوق المستمعين والمشاهدين وأضاع أوقاتهم وأفسد متابعاتهم.
انتشرت إعلانات "التسول والشحاتة" على الشاشات - خاصة ونحن في شهر رمضان الكريم - للمستشفيات والجمعيات الخيرية، وكأن نصف الشعب المصري يعاني أمراض السرطان والقلب والكبد والكُلى وغيرها، والنصف الآخر يعاني الفقر والإملاق والعوز والحاجة، ومن عجب أن تسبق هذه الإعلانات أو تعقبها، مشاهد القصور والفيلات والمنتجعات في إعلانات أخرى، وقد أصبح الشعب من أغنى أغنياء العالم!
لقد تدنت مشاهد وصور ولغة الإعلانات ومفرداتها وألفاظها، إلى درجة من الهبوط والانحدار تحتاج إلى تدخل هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، بل إلى تدخل شرطة حماية الآداب!
إن غياب القواعد والقوانين المنظمة لصناعة الإعلان في مصر، أدى إلى هذه الفوضى والعشوائية التي تضرب سوق الإعلانات، ونعتقد أن سرعة تشكيل المجلس الأعلى للإعلام وفقًا للدستور، وقيامه بوضع الأسس والقوانين التي تنظم هذه الصناعة، سيساهم إلى حدٍ كبير في تحجيم هذه الفوضى وإزالة هذا القبح الإعلاني من الشارع المصري ومن وجه المجتمع.
وأخيرًا وليس آخرًا، نعتقد أن جُل الإعلانات المنتشرة على الساحة المصرية لا تتناسب وهذه المرحلة التي تمر بها مصر، التي تحتاج فيها إلى كل الجهود للنهوض بالبلاد والعباد إلى نحو أفضل وإلى مجتمع أفضل وأرقى.