رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو والصور.. قصة «أصحاب الأخدود».. القرآن خلد ذكرى المسيحيين المضطهدين في سورة البروج.. الطاغية اليهودي «ذو نواس» يحرق 20 ألفًا من أهل نجران.. وخلاف بين الأثريين حول موقع الأخ

فيتو

أورد القرآن الكريم قصة أصحاب الأخدود في سورة «البروج» في قوله تعالى: {(1) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (2) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (3) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (4) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (5) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (6) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (7) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (8) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (9) الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (10) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (11) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (12)}.


وقيل إن القصة دارت فصولها في مدينة نجران بالمملكة العربية السعودية، وبطلها آخر ملوك الدولة الحميرية وكان يدين باليهودية، وحفر أخدودًا كبيرًا جعل منه فرنًا أحرق فيه آلاف المسيحيين ممن رفضوا التخلي عن ديانتهم والرجوع إلى عقيدتهم اليهودية السابقة.

بينما هناك رواية أخرى تقول: إن وقائع القصة دارت في اليمن بين غلام شاب وإمبراطور متجبر.. وروايات أخرى تقول إن القصة دارت فصولها في بلاد الشام أو إيران.

مذبحة نجران
ذكر الأخدود بصفته مكان مذبحة لمسيحيين موحدين عام 525م، وتذكر الحادثة أحيانًا باسم "مذبحة شهداء نجران"، وتمثلت هذه الحادثة في أن الحاكم ذا نواس حاصر مدينة نجران، وعندما استسلمت المدينة، أعطى شعبها خيارين صعبين إما التحول عن دينهم أو الموت، فاختاروا الموت.

عندها أمر الطاغية الملك (ذو نواس) أتباعه بحفر أخدود عظيم وإشعال النيران فيه؛ استعدادا لحرق أهل المدينة، فقام أتباعه بملء الأخدود بالحطب وأشعلوا فيه نارًا عظيمة وصل مداها للسماء، حتى أنه يُقال إن الطيور التي طارت فوقها احترقت وشويت وهي لا تزال في السماء من شدة حرارة النار، ولما جاء الوقت الموعود للمذبحة أُلقي في النار أكثر من 20 ألفًا من أهالي المدينة من الرجال والنساء والأطفال والعجائز، ولا تزال آثار بعض العظام حتى الآن في حفرة الأخدود.

ويقال انتقامًا من هذا الهجوم (مذبحة شهداء نجران)، غزا الأحباش مملكة (الطاغية الحاكم) وعزلوه، وفي العقود التالية، ظلت الأخدود تحت حكم الحبشة، إلى أن دخلت الإسلام عام 10هـ (631)م.

أثار رأي أثري، شكوكًا في موقع الأخدود التاريخي، وهو رأي للدكتور عبد الرحمن الأنصاري، في ندوة احتضنها النادي الأدبي في جدة في فبراير 2010، وقال الأنصاري الملقب بـ«أبو الأثريين في السعودية»: "ومن قرأ كتاب الطبري (تاريخ الرسل والملوك) يجد أن كلامي صحيح لا غبار عليه".

وعن النقوش الصخرية الموجودة، قال: «لم تشر إلى الأخدود، وليس لها أي علاقة من قريب ولا بعيد بالأخدود، وهي مجرد سرد لأحداث عامة عن المنطقة في عهد الدولة الحميرية، وتحكي عن الحملات الحميرية العسكرية إلى الشمال، والحروب التي خاضوها، وليست عن الأخدود».

وعن الرماد واللون الداكن على الجدران، قال: «إن ذلك لا يعني وجود حريق، وإنما عوامل التعرية، واختلاط التربة بالأشجار وبقايا الحيوانات والخشب، تكوّن اللون الداكن في التربة». وتساءل: «هل من المنطق أن يحرق ملك مدينته ويضرم فيها نارا تقضي على المدينة بكاملها؟».

ومنذ أطلق الأنصاري هذا الرأي، واجه انتقادا واسعا من الكتاب والمثقفين والمؤرخين، وهو ما يعبر عنه عوض العسيري، أستاذ التاريخ في جامعة نجران، في حديثه إلى جريدة «الشرق الأوسط»، بقوله: «ورد هذا الرأي في أكثر من رواية في تفاسير الطبري، وابن كثير، والقرطبي وغيرهم.. فمنهم من قال إن مكانه العراق، وآخرون قالوا إنه بالشام، والبعض يراه في بلاد فارس - إيران حاليا - لكنها تبقى روايات إخبارية، لا تستند إلى دليل مادي صريح، فالمصادر البابلية والفارسية والسريانية، وكذلك حوليات الكنائس النصرانية طيلة القرون الستة الأولى من الميلاد، لم يرد فيها ما يشير إلى وقوع حدث كهذا في تلك الأصقاع، أو بقية العالم المسيحي الخاضع لبيزنطة في ذلك العصر».

وأشار في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، إلى أنه فضلا عن اتفاق جمهرة المصادر الإسلامية على أحداث القصة، وما ورد حولها من روايات متشابهة أجمعت على أن الملك القاتل هو ذو نواس، آخر ملوك حمير قبل الاحتلال الحبشي، وأن الغلام الذي آمن بسببه جمع كبير من أهل نجران هو عبد الله بن الثامر، فإننا نجد في كثير من المصادر اليونانية والنصرانية المعاصرة للحدث، إجماعا على أن نجران شهدت في النصف الأول من القرن السادس الميلادي مذبحة بشرية رهيبة لأتباع النصرانية الموحدين، وهم الذين عرفهم القرآن الكريم بـ«أصحاب الأخدود».

ومن أهم هذه المصادر رسالة «مار شمعون»، أسقف «بيت رشام» في العراق، إلى رئيس أساقفة «دير جبلة» في الشام، يصف فيها ما سمعه من شهود عيان أتوه من اليمن، عما لاقاه نصارى نجران من اضطهاد الملك الحميري "ذو نواس".

رواية الرسول
وقد ذكر النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، قصة أصحاب الأخدود للصحابة الكرام مفصلة، رواها الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده، عن الصحابي الجليل صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "كان فيمن كان قبلكم ملك، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع إليَّ غلامًا، لأعلمه السحر، فدفع إليه غلامًا يعلمه، وكان بين الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر ضربه، وقال: ما حبسك؟، وإذا أتى أهله ضربوه، وقالوا: ما حبسك؟!، فشكا ذلك إلى الراهب فقال له: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر..

قال: فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر، قال: فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها، ومضى الناس، فأخبر الراهب بذلك فقال: أي بني!، أنت أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليَّ..

فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء، وكان للملك جليس عَمِيَ، فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: اشفني ولك ما ها هنا أجمع، فقال: ما أنا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك، فآمن فدعا الله له فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان! من رد عليك بصرك؟ فقال: ربي، فقال: أنا؟، قال: لا، ربي وربك الله، قال: ولك رب غيري؟، قال: نعم، ربي وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فبعث إليه فقال: أي بني بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟، قال: ما أشفي أحدًا، إنما يشفي الله عز وجل، قال: أنا؟، قال: لا، قال: أو لك رب غيري؟، قال: ربي وربك الله، فأخذه أيضًا بالعذاب فلم يزل به حتى دل على الراهب..

فأتى بالراهب فقال: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا وقال: إذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاقذفوه يتدحرج إلى أن يموت فذهبوا به، فلما علوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا جميعا، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟، فقال: كفانيهم الله عز وجل، فبعث به مع نفر في قرقور، فقال: إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه في البحر، فلججوا به البحر - أي: دخلوا به البحر - فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعين..

وجاء الغلام حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟، فقال: كفانيهم الله تعالى، ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي، قال: وما هو؟، قال: تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهمًا من كنانتي، ثم قل: باسم الله رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، ففعل، ووضع السهم في كبد قوسه، ثم رماه وقال: باسم الله رب الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام..

فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟، قد آمن الناس كلهم، فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه، وإلا فأقحموه فيها..

قال: فكانوا يتعادون ويتدافعون فيها، أي: يتسابقون في الوصول إليها، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه، فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي: اصبري يا أماه، فإنكِ على الحق".
الجريدة الرسمية