رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. «آثار الدقهلية» بين مطرقة الإهمال وسندان السرقة

فيتو

جاء الاكتشاف الأخير للبعثة البولندية العاملة بموقع تل الفرخة الأثري، في قرية «غزالة» التابعة لمركز السنبلاوين، ليلقي بظلاله على حجم المعاناة التي تشهدها المناطق الأثرية في الدقهلية، بعد عقود من الإهمال والسرقة.


ونجحت بعثة الآثار البولندية التي يقودها «مارك كلودنيشي» في اكتشاف أربع مقابر تعود لعصر ما قبل التاريخ المدون في محافظة الدقهلية.

وقال وزير الآثار، ممدوح الدماطي، في وقت سابق: "إن المقابر المكتشفة حديثًا منها ثلاثة تضم أطفالاً، بالإضافة إلى مقبرة تعود لعصر نقادة الثالثة، تحتوي على حجرتين إحداهما شمالية والأخرى جنوبية"، وأضاف «جارٍ استكمال أعمال الحفائر بالموقع والذي لايزال يحتاج للعديد من الدراسات للكشف عن المزيد من تاريخه».

ويقسم علماء المصريات والمؤرخون تاريخ مصر إلى فترة مبكرة هي «حضارة نقادة» قبل توحيد البلاد جغرافيًّا وإداريًا تحت حكم مركزي نحو عام 3100 قبل الميلاد على يد الملك مينا، مؤسس الأسرة الفرعونية الأولى، وحضارة نقادة التي بدأت منذ عام 4500 قبل الميلاد تُنسَب إلى مدينة نقادة الجنوبية، ومرت بثلاث مراحل حضارية، وانتهت بتوحيد البلاد.

مقتنيات ثمينة كشفت عنها البعثة البولندية، تنوعت بين الأواني الفخارية والحجرية والخرز العقيق الأحمر، غير أن البعثة البولندية لم تنجح فقط في الكشف عن آثار أجداد المصريين، لكنها كشفت عن عمق الأزمة التي تعانيها المناطق الأثرية في موطن عاصمة مصر القديمة.

وخلال عقود طويلة عانت المناطق الأثرية من الإهمال والسرقة، نتيجة الحراسة الأمنية الضعيفة التي تحظى بها هذه المناطق من قِبَل وزارة الآثار، مما جعلها عرضة طوال الوقت لعمليات السرقة والتنقيب.

وترفض هيئة الآثار، ضم القصور والمباني الأثرية المسجلة كآثار بهيئة الثقافة، وتتركها الدولة دون ترميم أو إصلاحات، رغم المناشدات التي تلقاها وزير السياحة من قِبَل المواطنين، إبان إحدى زياراته لمدينة المنصورة.

ووفقًا لما قاله سامح الزهار، وهو مفتش آثار بالإدارة العامة لآثار الدقهلية، فإن السبب في التعدي على الآثار والحفر خلسة، يعود لما أسماه «ضعف قانون حماية الآثار».

ويقول الزهار: «القانون غير كافٍ؛ لذا طالبت مرارًا وتكرارًا بتعديل قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010، فيجب اعتبار قضايا الآثار أمن قومي أو على الأقل جناية، ولكن للأسف يتم التعامل مع قضايا الآثار والتعدي عليها كأنها (جنحة)، ولابد من تغليظ العقوبة لتكون رادعًا لكل مَن تسول له نفسه البحث والتنقيب عن الآثار».

وتزخر محافظة الدقهلية، بالعديد من المناطق الأثرية التي تعود للقدماء المصريين، ففي مدينة تمي الأمديد يقع «تل الربع» وهو من بقايا مدينة «منديس» الفرعونية وأطلق عليها بالعصور الوسطى «تل المندور» وكانت عاصمة القطر المصري في عهد الأسرة الـ(29) بقيادة الملك «أكوريس» لمدة (12) عامًا من 380 وحتى 392.

واستمرت منديس كعاصمة لمصر في عهد الملك «نفريتس» الذي حكم مصر لمدة (6) سنوات من 392 وحتى 396 قبل الميلاد.

وعثر بتل الربع على العديد من أحجار المعابد التي تعود إلى عهد الملك «رمسيس الثاني» ونجله «منقاع»، كما عُثِر على أحجار مدون عليها أسماء ملوك الفراعنة من الأسر «21، و22، و26».

وفي مدينة دكرنس يقبع «تل بلة» ويعد أهم التلال الأثرية بمصر، ويحظى بطابع خاص وفق ما قاله علماء الآثار، وهو مكان المدينة الفرعونية القديمة التي أطلق عليها قدماء الفراعنة «دبللة» وحرفت إلى «تبالة» و«تبلة».

وتقع على الترعة الفرعونية القديمة «أتوينس» التي كانت الأشهر في العهد الروماني واليوناني، واستخرج العلماء من هذا التل العديد من القطع الأثرية المهمة عرضت في المتحف المصري.

اتهامات كثيرة وجهت للمسئولين المصريين كالتقصير والإهمال في حماية الآثار من السرقة، فقبل شهور قليلة نشبت مشادة بين وزير الآثار الدكتور ممدوح الدماطي، وأحد الصحفيين، في قاعة الاجتماعات، بديوان عام محافظة الدقهلية، خلال انعقاد المؤتمر الصحفي، الذي أقيم على هامش زيارته للمحافظة، لتفقد بعض المعالم الآثرية.

وعرض الصحفي حينها مشكلة وقائع سرقة الآثار بـ«تل بلة» بمركز دكرنس، مؤكدًا للوزير أن بعض الأهالي قاموا بتوثيق ذلك عن طريق التصوير، وهو ما أثار غضب الوزير وبدلاً من أن يعد بالتحقيق في الأمر، هدد الصحفي بتحرير محضر ضده بحجة عدم إبلاغه الجهات المختصة، قبل أن يرد الصحفي بالتأكيد على وجود تقصير من وزارة الآثار والوزير شخصيًا.

ورغم محاولات المواطنين التصدي لأعمال السرقة التي تحدث للمناطق الأثرية إلا أنها لا تأتي ثمارها بعد تحول الكثير من تلك المناطق إلى مقابر للحيوانات والقمامة مما شجع لصوص الآثار لانتهاك حرمة تراث الفراعنة، لتبقى أزمة المناطق الأثرية في المحافظة كما هي، بين مطرقة الإهمال وسندان السرقة تتواجد الآثار.
الجريدة الرسمية