تركيا بين الحب والكراهية
يتوقع أن تكون تركيا أيضا بين الموضوعات التى سيتم طرحها فى اللقاء المرتقب بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، لقد أسموها فى القرن التاسع عشر الرجل المريض على البوسفور، وكتبت صحيفة بريطانية مشهورة آنذاك "أن سلوكها قد يورط أوربا بل قد يؤدى إلى حرب، وتورط تركيا أردوغان نفسها اليوم أيضا لا مع أوربا فقط بل مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى الذى هى عضو فيه.
ولا تستطيع تركيا أن تنسى أن العراق كانت ذات مرة جزءا لا ينفصل منها، وتتدخل فى شئونه الداخلية وتزيد فى عدم الاستقرار هناك. وقد قال دبلوماسى غربى مؤخرا "إنه من الصعب أن نبالغ فى وصف عدم مسئولية تركيا"، ويعبر عن عدم مسئوليتها أيضا المساعدة التى تقدمها لإيران لتسويق نفطها برغم العقوبات الاقتصادية.
هذ وبالإضافة إلى علاقتها بقبرص، فالاتحاد الأوربى يطالب أنقرة بأن تعترف باستقلال الجزء اليونانى من الجزيرة لكنها ترفض، كما أن الغرب يطالبها بأن تجلى قواتها العسكرية من الجزء الشمالى للجزيرة وبأن تزيل القطيعة الاقتصادية التى فرضتها على الجمهورية القبرصية اليونانية، لكن كل هذا يسير عبثا بل تقوم بالعكس تماماً، فهى تهدد بالإضرار بالمشروعات القبرصية للكشف عن مخزونات الغاز فى مياهها الإقليمية وتقوم فوق كل ذلك السحابة السوداء لعلاقات الحب والكراهية بين تركيا والاتحاد الأوربى.
فى سنة 2000 صاغت أوربا وثيقة حددت شروط انضمام تركيا إلى الاتحاد ومنها خطوات فى المجال الداخلى والاقتصادى لم يتم تنفيذ معظمها، ومنذ بضعة أسابيع أعربت المستشارة الألمانية ميركل أثناء زيارتها لتركيا عن إيمانها بانضمام تركيا، لكنها أضافت أنها تتوقع أنه حتى الآن مازال الطريق طويلا، ومن المؤكد أن احتمالات أن قبول انضمام تركيا للاتحاد الأوربى لم تتحسن بعد تشهير أردوغان بالصهيونية، وقد ندد وزير الخارجية الألمانى والأمريكى بلغة شديدة، وأرسل أعضاء البرلمان الأوربى العشرون رسالة شديدة اللهجة على لسان المسئولة عن العلاقات الخارجية فى الاتحاد الأوربى كاثرين آشتون طالبين التنديد بتصريح أردوغان.
أين تقع أمريكا فى الصورة؟ واشنطن تؤيد على نحو عام التوجهات الأوربية لكنها مازالت ترى تركيا دعامة استراتيجية مهمة لحفظ المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، وهى مصالح مازالت شديدة الأهمية وإن أعلن أوباما بأن المحور المركزى لسياسة الخارجية والأمن الأمريكية سيوجه منذ الآن إلى جنوب شرق آسيا.
فى الماضى قامت الاستراتيجية الأمريكية فى هذا السياق على مثلث أضلاعه أمريكا وتركيا وإسرائيل، لكن الضلع التركى الإسرائيلى من هذا المثلث قد أخذ فى التصدع منذ بضع سنوات حتى قبل حادث سفينة مرمرة.
إن واشنطن تسعى إلى إعادة الأمور إلى سابق عهدها، والقدس معنية لأسبابها الخاصة بمساعدتها على ذلك حتى لو اضطرت إلى ابتلاع ريقها والذهاب نحو مطالب أنقرة بشأن القافلة البحرية إلى غزة.
إن التعاون الأمنى بين الولايات المتحدة وتركيا مهم لإسرائيل أيضا، كما أن التعاون الأمنى الأمريكى الإسرائيلى مهم لتركيا أيضا، لكن اذا أردنا الحكم على وفقاً لتصريحات أردوغان ووزير خارجيته داود أوغلو الغريبة فإن احتمالات إعادة بناء المثلث برغم الجهد الأمريكى ليست كبيرة.
لقد اتضح أكثر فأكثر أن أردوغان يرى أن التشهير بإسرائيل والصهيونية رافعة لتقدم مطامحه فى المنطقتين العربية والإسلامية. وفى الغرب كانوا يأملون أن تستطيع تركيا المعتدلة التى يحكمها حزب العدالة والتنمية الإسلاميى أن تكون نموذجا يحتذى به العالم العربى، وبرغم أن تركيا تدعى الوقوف على رأس الهلال الإسلامى السنى فإن هدفها الحقيقى هو إنشاء إطار جغرافى سياسى وأيديولوجى يشمل أكثر البلدان والشعوب التى كانت تنتمى فى الماضى إلى الدولة العثمانية، وهو هدف يقف فى مركز سياستها التى تمثل "صفر".
* نقلاً عن "يسرائيل هيوم