رئيس التحرير
عصام كامل

القضاء الألماني والمعايير المتغيرة !!


لم تكن حكومة مصر طرفا مباشرا في مسألة توقيف المذيع أحمد منصور، في أحد مطارات ألمانيا لصدور حكم غيابي ضده؛ لاتهامه بالاشتراك في احتجاز وتعذيب وانتهاك كرامة وآدمية محامٍ مصري خلال فاعليات ثورة يناير، ولا يعني رفض السلطة القضائية الألمانية تسليم منصور أي مساس بالقضاء المصري أو بأحكامه، وإن كانت هناك مآخذ على القرار، فأعتقد أنها تقع على عاتق القضاء الألماني، الذي لم يمتثل للتفاهمات والاتفاقيات الدولية الخاصة بملاحقة المجرمين والمطلوبين، والتي أقرتها منظمة الأمم المتحدة، فالقضاء الألماني تجاوز احترام القواعد التي ارتضتها دول العالم، ومنها ألمانيا؛ لتعزيز قدرات الأجهزة القائمة على إنفاذ القوانيين في العالم، بالتعاون في ملاحقة الهاربين من الأحكام القضائية.


وتجاوزات القضاء الألماني ليست جديدة، فهو ذاته الذي أمر بدون مراجعة، أو تمحيص بتسليم عدد من المشتبه باشتراكهم في تنفيذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فيما عرف بأعضاء خلية هامبورج، وهم بالمناسبة من جنسيات عربية وآسيوية، ورغم مرور سنوات عديدة على تسليم أولئك المشتبه بهم إلا أنهم لايزالون محتجزون بدون محاكمات حتى الآن، ليس هذا فحسب بل إن أولئك، تعرضوا ولايزالون لأقسي أنواع التعذيب والانتهاك، منذ أن تم ترحيلهم من ألمانيا إلى أمريكا، يتم هذا تحت إمرة أجهزة الأمن الأمريكية، ووصلت الأمور إلى الحد الذي دفع بالادارات الأمريكية المتعاقبة إلى إصدار قوانيين لحماية رجال الأمن الامريكين من المساءلة القانونية؛ عما اقترفوه من انتهاكات بحق المشتبه بهم خلال بحثهم وراء منفذي حوادث سبتمبر !

إذن نحن أمام قضاء ألماني، ليس متعدد المعايير فحسب، ولكنه قضاء يصدر القرارات حسب الهوى والغرض، وحسب القضية المطروحة، وحسب الدولة طالبة التسليم، ورغم أن القضاء الألماني لم يعلن مبررات عدم تسليم أحمد منصور لمصر حتى اللحظة، إلا أننا يمكن أن نتوقع السبب الذي سوف يعلن، وهو أن مصر تعتمد عقوبة الإعدام في قضائها، وهو ما يدفعنا إلى السؤال عن القضاء الأمريكي الذي يعتمد أيضا عقوبة الإعدام والذي استجاب له القضاء الألماني نفسه، ووافق على تسليمه المشتبه بهم، لم يكونوا مطلوبين على ذمة أحكام قضائية، بل ولم تتم محاكمتهم حتى الآن.. فهل يمكن إذن أن ينازع أحد في أن القضاء الألماني يتبع سياسة " الخيار والفاقوس " في قراراته وعذرا لاستخدام هذا اللفظ !

الوجه الآخر لهذه القضية، فهو الحملات المؤيدة المتشفية في توقيف أحمد منصور والحملات المضادة، فكلا النوعين من هذه الحملات مرفوض، خصوصا وأن المؤيدين اعتبروا توقيف أحمد منصور؛ انتصارا للحكومة المصرية وللرئيس المصري، وبعد صدور قرار عدم التسليم انبرى المدافعون عن منصور والمنتمون لجماعة الإخوان في التهليل والتكبير؛ باعتبار الرفض الألماني ضربة في وجه النظام المصري، والحقيقة أن كلا الفريقين غير موفق، فعندما يتعلق الأمر بأحكام قضائية وقواعد قانونية، لا يجب أن يتصرف الناس بسلوك القبائل والعشائر التي تلغي عقولها، وتعتمد المشاعر الشخصية والتمنيات الخاصة مرجعية وسلوكا !

مرة أخرى.. لابد من التأكيد على أن مصر والقضاء المصري لم يكن أي منهما طرفا مباشرا في أمر توقيف أحمد منصور في ألمانيا، ولابد من التأكيد على أن الطرفين المباشرين في المسألة هما، الشرطة الجنائية الدولية " الإنتربول " والحكومة الألمانية، فالإنتربول وعقب صدور حكم من القضاء المصري بحق أحمد منصور، وبحق عدد آخر من رموز وقيادات الإخوان في قضية تعذيب المحامي وقضايا أخرى، استجاب لطلب السلطات المصرية وأصدر نشرة حمراء؛ لتوقيف أولئك المحكومين في أي مكان في العالم، وتسليمهم للحكومة المصرية، هذه الإجراءات تمت ليست مجاملة للحكومة أو القضاء المصري، ولكنها إجراءات يلتزم الإنتربول بتنفيذها؛ إقرارا لنمط ارتضاه العالم لحفظ الحقوق ومطاردة المجرمين.

أما الطرف الثاني في الأزمة فهو القضاء الألماني الذي رفض تسليم منصور، بقرار لا يمس أو ينتقص من قريب أو من بعيد بمصر حكومة وقضاء، ولكنه قرار، ودون أي تجاوز أو انحياز، يمس القضاء الألماني ذاته، الذي لا يعتمد معيارا واحدا، ويجب أن يصنف القرار الذي أصدره ضمن القرارات التي تدعو إلى أن تعم الفوضي العالم وتتيح للمجرمين الإفلات من جرائمهم !
الجريدة الرسمية