الرئيس ووزارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة
يأتي الاهتمام دائما بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها الشريان الرئيسي للاقتصاد في مصر، والبوابة الرئيسية للنمو ولاستيعاب العمالة والمساهمة في خلق وتوفير فرص العمل أكثر من أي قطاع آخر من القطاعات الاقتصادية، وعلي الأخص في الأوقات التي تتسم بالركود.
ولعل كثير من الاقتصاديين يتفقون معي أن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، والاقتصاد غير الرسمي في مصر، لعبت دورًا حاسمًا في تقليل الإحساس بركود أو توقف النشاط الاقتصادي خلال عامي 2011 و2012 من سنوات الثورة المصرية على وجه الخصوص.
إن تحرك اقتصاديات العالم من الاقتصاد التقليدي الذي يهيمن عليه الأصول الملموسة من معدات ومصانع إلى الاقتصاد القائم على المعرفة والأصول غير الملموسة كحقوق الملكية الفكرية، يفرض على الشركات المصرية وخاصة مع تزايد الضغوط الاقتصادية، وزيادة حدة المنافسة وانخفاض هوامش الربح، أن تبحث تلك الشركات عن بدائل غير تقليدية، تكون لصالح الشركة وتقدم قيمة مضافة مرتفعة.
وسوف أتناول موضوع حقوق الملكية الفكرية باعتباره أحد الآليات التي يمكن أن تساهم بشكل رئيسي في نمو تلك المشروعات وتطورها. وذلك من خلال التعرف على حقوق الملكية الفكرية بشكل مالي واقتصادي والنظر إليها بشكل مختلف عن كونها وسيلة دفاعية لتوفير الحماية القانونية فقط، فلن تجدي هذه الحماية القانونية طالما ظلت حبيسة أدراج المحامين. بل يجب على الشركات الاستفادة من تلك الحقوق، وتوليد قيم اقتصادية ومالية منها من خلال الترخيص، والتوريق، والإدارة لتلك الحقوق، وتسخير القيمة الجوهرية لحقوق الملكية الفكرية لديها.
فإذا لم يعد بإمكاننا التنافس في التصنيع مع دول مثل الصين وألمانيا، إلا أنه يمكننا توليد القيمة المضافة من الخدمات المهنية، والصناعات الإبداعية والابتكارية، والتي تلعب فيها حقوق الملكية الفكرية دورًا كبيرًا في توليد الثروة. فصناعات السينما والدراما السينمائية والتليفزيونية، ونشر الكتب، والإنتاج الموسيقي والغنائي، وصناعة البرمجيات والمحتوى الرقمي تقوم على النتاج الفكري الإبداعي، وليس بالضرورة أن تكون هذه الشركات عملاقة حتى يمكنها التمتع بحقوق الملكية الفكرية أو تملكها، بل يمكن أيضا للمشروعات المتناهية الصغر مثل المطاعم، وورش الأثاث، الأنشطة الزراعية، الصيدليات، الكافيتريات، أكشاك السجائر، وورش النجارة، والمطابع، وغيرهم من الأنشطة الصغيرة.
ونظرًا لأن موضوع المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من وجهة نظري لا يمكن النظر إليه كوحدة واحدة، فإنه يجب النظر إليه قطاعيًا فكل قطاع لديه تحدياته المختلفة، ويمتلك أيضا مزاياه النسبية والتنافسية المختلفة. وبالتالي يجب النظر نحو تنويع السياسات المتعلقة بكل فئة من هذه المشروعات وفقا للقطاع المعني بها. وسأعرض هنا لنتائج استبيان قمنا بإعداده في دراسة لقياس أثر حقوق الملكية الفكرية على المشروعات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات في مصر، لصالح المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO. وسأقوم بعرض نتائجه على عينة مكونة من عدد 500 شركة متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة بدرجة ثقة في النتائج وصلت 95%.
سألنا الشركات عن موقفها التنافسي في سوق تكنولوجيا المعلومات، أشارت نسبة 85% من الشركات أنها في موقف تنافسي جيد، و87% من الشركات تري أن تعمل في ظل سوق تنافسي واعد يتمتع بالعديد من الفرص الكامنة للاستثمار. وكانت نسبة الشركات المستقرة التي يزيد عمرها عن خمس سنوات وتنمو بشكل مستمر 54 %.
وعندما سألنا المشروعات والشركات عن إمكانية قيامها أو رغبتها بالاندماج في المستقبل وجدنا رفض الفكرة بنسبة 45.5 % من الشركات المستقصاه، وهو ما يعني أن هذه الشركة والمشروعات تميل للنمو في هذه السوق مما يعكس الكفاءة الاقتصادية للسوق وجذبه لاستثمارات المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وفيما يتعلق بالقيمة المضافة فقد أشارت نسبة 53.5% أن منتجاتها تمثل مدخلات لمشروعات أخرى في السوق بما يعكس وجود روابط أمامية وخلفية جيدة بين هذه المشروعات والشركات، وأن 42.8% من العينة تري أن طبيعة منتجات المشروعات الاخري التي ترتبط بهذه الروابط مع المشروعات الصغيرة تميل إلى أن تكون خدمات أكثر منها سلع أخذا في الاعتبار التأثير الكبير لقطاع الخدمات على النمو الاقتصادي.
كما أشارت النتائج إلى أن 94.6% من المشاركين بالعينة أقروا بأنهم ينتجون سلع وخدمات مشمولة بحقوق ملكية فكرية، وأن نسبة 58% منهم يستغلون هذه الحقوق ويقومون بالترخيص للغير باستخدامها بما يساهم في رفع ربحيتهم وزيادة حصتهم السوقية. وجاءت نسبة الإنفاق على البحث والتطوير داخل هذه المشروعات لتؤكد اهتمامهم بالخروج بمنتجات وخدمات جديدة مبتكرة تتمتع بحقوق ملكية فكرية بنسبة 49.2% من العينة تنفق من 3-5% من موازناتها الإجمالية على البحث والتطوير.
إن النتائج السابقة تظهر بشكل واضح أهمية حقوق الملكية الفكرية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وامتلاك الكثير منها لتلك الحقوق واستغلالها بشكل تجاري وأثارها الإيجابية على تلك المشروعات.
أتمنى أن تكون البيانات والأرقام وأراء أصحاب المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي توضح الأثر الإيجابي لحقوق الملكية الفكرية على تلك المشروعات، وتنميتها تلقى قبولا لدى صناع السياسات ومتخذي القرار للاهتمام بسياسات الملكية الفكرية ودمجها ضمن خطة وزارة المشروعات الصغيرة الجديدة المزمع إنشاؤها، باعتبارها أحد الحلول المهمة لتنمية وتطوير هذه المشروعات، سواء التي لا تمتلك تلك الحقوق ويمكن استغلالها بطريقة قانونية من خلال المعلومات المتاحة في وثائق براءات الاختراع، والتي يمكنها حل الكثير من المشاكل الفنية المتعلقة بتلك المشروعات في المجالات المختلفة، أو من خلال الحقوق التي سقطت في الملك العام بالنسبة للصناعات التي تعمل في مجال التصميمات، أما بالنسبة للشركات والمشروعات التي تمتلك حقوق الملكية الفكرية فيمكنها الاستفادة منها عن طريق عقود الترخيص والفرنشايز، أو إنشاء قنوات جديدة للبيع، ويمكنها الاستفادة منها في المفاوضات القانونية والمالية، بل يمكن استخدامها في زيادة رأس مال الشركة أو المشروع.