سيادة الفريق.. لا تفسد الرئيس!
دعا الفريق مهاب مميش كل المخلصين للمشاركة في تكليف حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، وأحسب أن دعوة سيادته إهانة له ولمصر وللمشروع، ليس بالاحتفالات الكبرى تصبح المشروعات كبرى، العناوين لا تصنع الأحداث، والعكس هو الصحيح، لم تكن ليبيا دولة عظمى لأن الأخ العقيد معمر القذافى أطلق عليها الجماهيرية العربية الليبية العظمى، والولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لها من الاسم ربع اسم جماهيرية القذافى.
وبدلا من التسول لإقامة حفل يتسم بالبذخ لن نقول لكم تذكروا سيدنا عمر بن الخطاب، لن نقول لكم تذكروا سيدنا أبو بكر الصديق، ولن نحدثكم عن زهد السيد المسيح، ولا بساطة سيدنا ومعلمنا وقائدنا محمد بن عبد الله.. سنحيلكم إلى حكايات رئيس أوروجواى خوسيه موخيكا والذي يطلقون عليه "أبسط رئيس في العالم"، وفى روايات أخرى "أفقر رئيس".
رفض خوسيه أن ينتقل إلى قصر الرئاسة، وفضل حكم بلاده من داخل مزرعة تمتلكها زوجته، يدير الدولة من داخل مكتب بسيط، ليس لديه حراسات على الإطلاق لا من الجيش ولا من الشرطة، إقرار ذمته المالية يؤكد فيه أن جملة ما يمتلكه كان ١٨٠٠ دولار، في العام التالى لحكمه أضاف إلى إقراره نصف مزرعة زوجته الصغيرة وجرار زراعي، تبرع بـ ٩٠٪ من مرتبه البالغ ١٢ ألف دولار للفقراء، يمتلك سيارة فولكس واجن لا يتعدى ثمنها ١٩٠٠ دولار، وهى أغلى ما يمتلك حسب روايته، واعتقد أن سعة خيالنا لاتسمح لنا بما يمكن أن نتصوره لو أن الفريق مميش وضعته الظروف الصعبة ليستقل سيارة مثل سيارة خوسيه.
يعيش حياة كريمة حسب روايته بـ ١٢٥٠ دولارا شهريا، وأعتقد أن هذا المبلغ أقل بكثير من ضيافة مكتب سيادة الفريق مميش الذي يطالب المخلصين بالتبرع لإقامة حفل في بلد يفتقد أهله مجرد الإحساس بالاحتفال منذ سنوات!
خوسيه موخيكا استطاع في فترة وجيزة وبفضل ما قدمه من نموذج إنسانى صادق أن تصبح بلاده رقم ٢ في أمريكا الجنوبية في قائمة الدول الأقل فسادا في أمريكا اللاتينية، بعد انخفاض معدل الفساد في بلاده بشكل كبير.
لن أنقل سيادة الفريق إلى الهند، وكيف يحيا وزراؤها ومسئولوها، ولن أذكره بما حدث مع وزير مصرى عند زيارته للهند أيام مبارك.. اعترض الوزير لأن الهند استقبلته في المطار بسيارة فيات آر.. قيل له حينها تلك هي السيارة الرسمية.. لن أتحدث عما ورد في كتاب "الديكتاتور" للراحل العظيم صلاح قبضايا، عندما زاره وزير هندى في أحد فنادق العاصمة الهندية نيو دلهى.. الوزير زار صحفي أخبار اليوم بدراجة بخارية.. سأله الصحفى عن سر الدراجة.. فقال الوزير إنه جاء إليه في غير أوقات العمل الرسمية لذا جاء بوسيلة يملكها هو ولاعلاقة للدولة بتحركات الوزير في غير أوقات العمل.
سيادة الفريق.. لاتورط الرئيس فيما يتعارض مع معتقداته، الرئيس تبرع بنصف راتبه، الرئيس يدعو للتقشف، الرئيس رجل بسيط، الرئيس يطالب المصريين بالزهد، بالعمل ليل نهار، لا تورط الرئيس في مظاهر بذخ تزرع بها الحقد في نفوس البسطاء.
سيادة الفريق.. لا تفسد الرئيس.. دعنا نحتفل على ضفاف القناة، على رمال سيناء بين الناس، على منصة خشبية بسيطة، نستقبل ضيوفنا مهما علا قدرهم بطريقتنا، نظهر للعالم أن مصر التي تعانى أزمة طاحنة تعيش هذه الأزمة.. تقدم للعالم كله إسهامها الحضارى رغم الأزمة.. سيادة الفريق: تبرع أنت أما نحن فلسنا من المخلصين إذا كان الإخلاص سيقترن بإفساد الرئيس!!