مافيا الوقود والعملة.. في مواجهة الحكومة
نجحت مافيا الوقود في إجبار الحكومة على وقف العمل بمنظومة توزيع الوقود بالكروت الذكية إلى حين، قوي الفساد استجمعت كل قدراتها، وتمكنت من عرقلة جهود تنفيذ المنظومة، قامت بإخفاء كميات كبيرة من الحصة اليومية للبنزين والسولار، وروجت شائعات بشكل مريب عن اعتزام الحكومة رفع أسعار الوقود وأنها ستقلل من كميات البنزين والسولار التي يتم ضخها يوميًا، فتكهربت الأجواء بشدة في غالبية المحافظات ما خلق زحامًا شديدًا أمام محطات التزود بالوقود، فقامت الحكومة بضخ كميات إضافية بمعدلات تجاوزت أربعين في المائة من حجم الاستهلاك العادي، ولكن الأزمة لم تنته إلا بعد أن تدخل الرئيس السيسي الذي وجه الحكومة بتأجيل تنفيذ المنظومة التي كان مقررًا لها يوم الخامس عشر من يونيو الحالي!
الواضح أن المسئولين عن تنفيذ منظومة توزيع الوقود بالكروت الذكية، إما حسني النية، وإما يجهلون أو يتغافلون عن قوة مافيا الوقود وتشعبها، ويتغافلون أن من بين أفرادها مطلعين على أدق تفاصيل العمل داخل وزارة البترول ويعلمون الأسرار عن خطط الإنتاج والتوزيع ومساعي الترشيد التي تعتزم الحكومة تنفيذها.. لم تدرك الحكومة أنها أمام منظومة فساد كبرى تنافس الحكومة ذاتها بأجهزتها ومعداتها بل تتفوق عليها!
أعتقد أن المساعي لتنفيذ منظومة توزيع الوقود بالكروت الذكية تمت دون تحسب الأمر جيدًا ودون اتخاذ الإجراءات الكفيلة لتحقيق المواجهة الفعالة لمافيا الوقود، ورغم تأجيل تنفيذ المنظومة مؤقتًا، فإن واقع الحال يشير إلى ضرورة وحتمية تطبيق هذه المنظومة، ما يجعل الحكومة ملزمة بإعادة دراسة الأمر بتعمق وتحسب شديدين، لضمان نجاح تنفيذ المنظومة، وما لا يدرج كله لا يترك كله، إذ يتعين على الحكومة أن تفصل بين أمرين:
الأول: هو ضمان وصول كميات الوقود الخارجة من مراكز الإنتاج إلى محطات الوقود دون نقص أو نقصان، والأمر الثاني: هو ضمان وصول الوقود المدعم للمستحقين، وليكن التنفيذ لتحقيق الترشيد على مرحلتين، ويمكن الاسترشاد بألية تنفيذ منظومة توزيع الخبز التي طبقتها وزارة التموين وحققت نجاحًا ملحوظًا وترشيدًا ملموسًا، لقد فصلت وزارة التموين بين الإنتاج والتوزيع، وحررت تجارة الدقيق، وتركت أصحاب المخابز يدفعون يتسلمون الدقيق وفق الأسعار العالمية، والتزمت وزارة التموين بدفع قيمة الدعم لكل رغيف يصل إلى مستحق الدعم فقط بموجب البطاقة الذكية، ما حقق فوائض وفوائد متعددة للدولة والمواطن مستحق الدعم.
وبالمناسبة فإن الحكومة تواجه حاليًا حربًا "ضروس" مع مافيا العملات الحرة، التي تبذل كل ما في وسعها لإفشال القرارات التي أصدرها محافظ البنك المركزي للقضاء على بيع العملات الحرة في السوق السوداء، هذه المافيا نقلت حربها مع الحكومة إلى خارج البلاد ووزعت مندوبيها في العديد من الدول وخصوصًا الخليجية لجمع العملات الأجنبية من المصريين العاملين بالخارج وتسليم قيمتها لذويهم هنا في مصر بالجنيه المصري وبأسعار تفوق السعر الرسمي بالبنوك، وفى ذات الوقت تقوم هذه المافيا بتحويل العملات الأجنبية لأي مكان في العالم بعد دقائق، وتتسلم القيمة بالجنيه المصري ممن يرغب داخل أوكار موجودة بالفعل داخل مصر!
القاصي والداني يجب أن يعلم أن حكومة الرئيس السيسي تواجه منظومة فساد أكبر من أي تصور ويشارك فيها متورطون من كل الفئات، موظفين عموميين ورجال أعمال واناس عاديين، فالمكاسب الخيالية تجمع بين أصحاب الضمائر الخربة من كل الفئات الذين يتكاتفون وبكل قوة لإفشال أي محاولة للاقتراب أو النيل منهم، وأعتقد أنه لا بديل أمام الحكومة سوى ضرب هذا الفساد في مقتل حتى تتمكن من انتشال الدولة من عثرتها الاقتصادية العويصة، وتلبية احتياجات محدودي الدخل وما أكثرهم.