رئيس التحرير
عصام كامل

الطبلاوي شيخ جاء للدنيا بدعوة أب صالح.. بدأ مشواره مع القرآن في الرابعة.. والده سر تفوقه وحفظه السريع.. أنقذه الله من الموت في واقعة شهيرة.. كرمته لبنان وبكى متمنيًا التكريم من بلده

الشيخ محمد محمود
الشيخ محمد محمود الطبلاوي

شيخ عرف بقوة وعذوبة صوته، مجيئه للدنيا كان بدعوة من رجل صالح بسيط رفع يديه إلى السماء وتضرع إلى الله قائلًا: "اللهم ارزقني ولدًا يكون من رجال الدين والقرآن"، واستجاب الله لهذه الدعوة الصادقة، وكان المولود هو الشيخ محمد محمود الطبلاوي؛ ليملأ الدنيا كلها بصوته الرخيم وحنجرته الذهبية يتلو القرآن ويرتله.


فعندما تسمعه تشعر أن روحك تسمو إلى السماء وتعيش في جو خالص من الروحانيات الجميلة، تبكي وتحزن، ويقشعر بدنك أيضًا من قوة صوته الذي يخترق القلب مباشرةً، ولا يخطئ طريقه أبدًا إلى كل عبد مخلص لله.

البداية.. إمبابة
في إمبابة ذلك الحي الشعبي الأصيل الذي ينشأ كل أبنائه على الحب والمودة واحترام العادات والتقاليد والرجولة والشهامة، ولد القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوي في 14 نوفمبر 1934، في قرية ميت عقبة مركز إمبابة بالجيزة، وكانت الكتاتيب منتشرة والاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم بصورة كبيرة.

ذهب به والده إلى كتاب القرية؛ ليكون من حفظة كتاب الله عز وجل؛ لأنه ابنه الوحيد، ومنذ ذلك الوقت عرف الطفل الموهوب محمد طريقه إلى الكتاب، وهو في سن الرابعة، مستغرقًا في حب القرآن وحفظه فأتمه حفظًا وتجويدًا في العاشرة من عمره.

الأب سر التفوق
كانت بداية المشوار شاقة وممتعة في نفس الوقت، بالنسبة للفتى المحب لكتاب الله عز وجل، ويحكي الشيخ الطبلاوي ذكرياته قائلًا:

"كان والدي يضرع إلى السماء داعيًا رب العباد أن يرزقه ولدًا ليهبه لحفظ كتابه الكريم وليكون من أهل القرآن ورجال الدين، واستجاب الخالق القدير لدعاء عبده الفقير إليه ورزق والدي بمولوده الوحيد، ففرح بمولدي فرحة ليس كمثلها فرحة في حياته كلها، لا لأنه رزق ولدًا فقط وإنما ليشبع رغبته الشديدة في أن يكون له ابن من حفظة القرآن الكريم".

تاج على الرءوس
أضاف: "والدي كان يوقن أن القرآن هو التاج الذي يفخر كل مخلوق بأن يتوج به؛ لأنه تاج العزة والكرامة في الدنيا والآخرة، وهذه النعمة العظيمة التي منّ الله علىّ بها وقدمها لي والدي على طبق من نور، تجعلني أدعو الله ليل نهار أن يجعل هذا العمل الجليل في ميزان حسنات والدي يوم القيامة، وأن يجعل القرآن الكريم نورًا يضيء له ويمشي به يوم الحساب؛ لأن الدال على الخير كفاعله ووالدي فعل خيرًا عندما أصر وكافح وصبر وقدم لي العون والمساعدة ووفر لي كل شيء حتى أتفرغ لحفظ القرآن الكريم".

التحدي والإرادة

وواجه الطفل الصغير صعوبات كثيرة في طريقه، فبعد أن حفظ القرآن كاملًا بالأحكام، لم يتوان لحظة واحدة في توظيف موهبته التي أنعم الله بها عليه فلم يترك الكتّاب أو ينقطع عنه، وإنما ظل يتردد عليه بانتظام والتزام شديد ليراجع القرآن مرة كل شهر.

ويقول الشيخ الطبلاوي، عن بداياته: "بدأت قارئًا صغيرًا غير معروف كأي قارئ شق طريقه بالنحت في الصخر وملاطمة أمواج الحياة المتقلبة، وكان ذلك في بداية حياتي القرآنية قبل بلوغي الخامسة عشر من عمري، وكنت راضيا بما يقسمه الله لي من أجر".

موقف مؤثر
ويضيف الطبلاوي: "تعرضت لموقف شديد المرارة على نفسي وكان من الممكن أن يقضي علىّ كقارئ، لكن أنقذتني منه عناية السماء وقدرة الله، وهذا الموقف حدث عندما كنت مدعوا لإحياء مأتم كبير بأحد أحياء القاهرة، وكان السرادق ضخمًا والوافدون إليه بالآلاف، وأثناء استراحتي قبل تلاوة الختام جاءني القهوجي وقال تشرب فنجان قهوة يا شيخ محمد؟، قلت له: إذا ماكانش فيه مانع، وبعد قليل أحضر القهوة ووضعها أمامي على الترابيزة..

فانشغلت ونسيتها، فقال لي صاحب الميكروفون: القهوة بردت يا شيخ محمد، فمددت يدي لتناولها فجاءني صديق وسلم عليّ وبدلًا من وضع يدي على الفنجان، صافحت الرجل وانشغلت مرة ثانية، وأردت أن أمد يدي فشعرت بثقل بذراعي لم يمكنني من تناول الفنجان، وفجأة جاءني صاحب المأتم وطلب مني القراءة، فتركت القهوة، ولكن صاحب الميكروفون شربها، وبعد لحظات علمت أنه انتقل بسيارة الإسعاف إلى قصر العيني..

وبفضل من الله تم إسعافه ونجا بقدرة الله، وهكذا تدخلت عناية السماء مرتين، الأولى عندما منعتني القدرة من تناول القهوة، والثانية نجاة الرجل بعد إسعافه بسرعة، وهذا الموقف حدث لي بعد التحاقي بالإذاعة، ووصلت إلى المكانة التي لم يصل إليها أحد بهذه السرعة".

تكريمه
حصل الشيخ الطبلاوي على وسام من لبنان في الاحتفال بليلة القدر؛ تقديرًا لجهوده في خدمة القرآن الكريم، ورغم سعادته بالتكريم إلا أنه قال: "إني حزين لأنني كرمت خارج وطني ولم أكرم في بلدي مصر أم الدنيا، ومنارة العلم وقبلة العلماء".
الجريدة الرسمية